لاتقائه بأداء طاعته ، واجتناب معاصيه ، كما يمتحن الذهب بالنار ، فيخلص جيدها ، ويبطل خبثها (لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ) أي ثواب جزيل ، وهو الجنة.
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) (٤)
(إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ) أي يدعونك (مِنْ وَراءِ) أي خارج (الْحُجُراتِ) أي عند كونك فيها ، استعجالا لخروجك إليهم ، ولو بترك ما أنت فيه من الأشغال (أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ) إذ لا يفعله محتشم ، ولا يفعل لمحتشم ، فلا يراعون حرمة أنفسهم ، ولا حرمتك ، ونسب إلى الأكثر ، لأنه قد يتبع عاقل جماعة الجهال ، موافقة لهم.
القول في تأويل قوله تعالى :
(وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (٥)
(وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ) أي لأن خروجه باستعجالهم ربما يغضبه ، فيفوتهم فوائد رؤيته وكلامه. وإن صبروا استفادوا فوائد كثيرة ، مع اتصافهم بالصبر ، ورعاية الحرمة لنبيهم وأنفسهم (وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي لمن تاب من معصية الله ، بندائك كذلك ، وراجع أمر الله فيه وفي غيره.
تنبيهات :
الأول ـ قال ابن كثير : قد ذكر أنها نزلت في الأقرع بن حابس التميميّ ، فيما أورده غير واحد.
روى الإمام أحمد (١) عن أبي سلمة بن عبد الرحمن ، عن الأقرع بن حابس ؛ أنه نادى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا محمد! يا محمد! (وفي رواية : يا رسول الله!) فلم يجبه. فقال : يا رسول الله! إن حمدي لزين ، وإن ذمّي لشين ، فقال : ذاك الله عزوجل.
وروى ابن إسحاق ، في ذكر سنة تسع ، وهي المسماة سنة الوفود ؛ أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم لما افتتح مكة ، وفرغ من تبوك ، وأسلمت ثقيف ، وبايعت ، ضربت إليه وفود
__________________
(١) أخرجه في المسند ٣ / ٤٨٨.