ولا يسلمه). وحديث (١)(والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه). وحديث (٢)(مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتواصلهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر). وحديث (٣)(المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا) وشبّك بين أصابعه صلىاللهعليهوسلم ـ وكلها في الصحاح ـ. (وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أي خافوا مخالفة حكمه ، والإهمال فيه ، ليرحمكم فيفصح عن سالف آثامكم ، ويثيبك رضوانه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (١١)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ) أي لا يهزأ رجال من رجال ، فيروا أنفسهم خيرا من المسخور منهم (عَسى أَنْ يَكُونُوا خَيْراً مِنْهُمْ وَلا نِساءٌ مِنْ نِساءٍ عَسى أَنْ يَكُنَّ خَيْراً مِنْهُنَ) أي الساخرات.
قال أبو السعود : فإن مناط الخيرية في الفريقين ، ليس ما يظهر للناس من الصور والأشكال ولا الأوضاع والأطوار التي عليها يدور أمر السخرية غالبا. بل إنما هو الأمور الكامنة في القلوب ، فلا يجترئ أحد على استحقار أحد ، فلعله أجمع منه ، لما نيط به من الخيرية عند الله تعالى ، فيظلم نفسه بتحقير من وقره الله تعالى ، والاستهانة بمن عظمه الله تعالى. ومن أهل التأويل من خص السخرية بما يقع من الغنيّ للفقير. وآخرون بما يعثر من أحد على زلة أو هفوة ، فيسخر به من أجلها.
قال الطبريّ : والصواب أن يقال إن الله عمّ ، بنهيه المؤمنين من أن يسخر بعضهم من بعض ، جميع معاني السخرية. فلا يحل لمؤمن أن يسخر من مؤمن ، لا لفقره ، ولا لذنب ركبه ، ولا لغير ذلك.
__________________
(١) أخرجه مسلم في : الذكر ، حيث رقم ٣٨ ، عن أبي هريرة.
(٢) أخرجه البخاري في الأدب ، ٢٧ ـ باب رحمة الناس والبهائم ، حديث ٢٣٢٢ ، عن النعمان بن بشير.
(٣) أخرجه البخاري في : الصلاة ، ٨٨ ـ باب تشبيك الأصابع في المسجد وغيره ، حديث رقم ٣١٩ ، عن أبي موسى.