حَطَباً) [الجن : ١٥] ، وهذا هو المشهور ـ خلافا للزجاج ـ في جعلهما سواء ـ أفاده الكرخيّ ـ. وقوله تعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (١٠)
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) استئناف مقرر لما قبله من الأمر بالإصلاح ، فإن من لوازم الإخوة أن يصطلحوا.
قال الشهاب : وتسمية المشاركة في الإيمان أخوّة تشبيه بليغ ، أو استعارة شبه المشاركة فيه بالمشاركة في أصل التوالد ، لأن كلّا منهما أصل للبقاء ، إذ التوالد منشأ الحياة ، والإيمان منشأ البقاء الأبديّ في الجنان.
(فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) أي إذا اقتتلا بأن تحملوهما على حكم الله ، وحكم رسوله.
قال القاشانيّ : بيّن تعالى أن الإيمان الذي أقل مرتبته التوحيد والعمل ، يقتضي الأخوة الحقيقية بين المؤمنين ، للمناسبة الأصلية ، والقرابة الفطرية ، التي تزيد على القرابة الصورية ، والنسبة الولادية ، بما لا يقاس ، لاقضائه المحبة القلبية ، لا المحبة النفسانية ، المسببة عن التناسب في اللحمة. فلا أقل من الإصلاح الذي هو من لوازم العدالة ، وأحد خصالها ، إذ لو لم يعدوا عن الفطرة ، ولم يتكدروا بغواشي النشأة ، لم يتقاتلوا ، ولم يتخالفوا. فوجب على أهل الصفاء ، بمقتضى الرحمة والرأفة والشفقة اللازمة للأخوة الحقيقية ، الإصلاح بينهما ، وإعادتهما إلى الصفاء. انتهى.
تنبيه :
وضع الظاهر موضع المضمر مضافا إلى المأمورين ، للمبالغة في التقرير والتخصيص. وتخصيص الاثنين بالذكر دون الجمع ، لأن أقل من يقع بينهم الشقاق اثنان. فإذا لزمت المصالحة بين الأقل ، كانت بين الأكثر ألزم ، لأن الفساد في شقاق الجمع ، أكثر منه في شقاق الاثنين ـ أفاده القاضي والزمخشريّ ـ.
وفي معنى الآية أحاديث كثيرة : كحديث (١)(المسلم أخو المسلم لا يظلمه
__________________
(١) أخرجه البخاري في : المظالم والغصب ، ٣ ـ باب لا يظلم المسلم المسلم ولا يسلمه ، حديث ١٢٠٢ ، عن ابن عمر.