وإن أظهر قوم رأي الخوارج. مثل تكفير من ارتكب كبيرة ، وترك الجماعة ، واستحلال دماء المسلمين وأموالهم ، ولم يجتمعوا لحرب ، لم يتعرّض لهم. وإن جنوا جناية وأتوا حدّا ، أقامه عليهم.
وإن اقتتلت طائفتان لعصبية ، أو طلب رئاسة ، فهما ظالمتان. لأن كل واحدة منهما باغية على الأخرى ، وتضمن كل واحدة منهما ما أتلف على الأخرى.
هذه شذرة مما جاء في (الإقناع) و (شرحه) وتفصيله ثمة.
الثالث ـ قال في (شرح الإقناع) : في الآية فوائد : منها أنهم لم يخرجوا بالبغي عن الإيمان. وأنه أوجب قتالهم. وأنه أسقط عنهم التبعة فيما أتلفوه في قتالهم. وإجازة كل من منع حقّا عليه. والأحاديث بذلك مشهورة : منها ما روى عبادة بن الصامت قال : بايعنا رسول الله صلىاللهعليهوسلم على السمع والطاعة ، في المنشط والمكره ، وأن لا ننازع الأمر أهله (متفق عليه) (١). وأجمع الصحابة على قتالهم ، فإن أبا بكر قاتل مانعي الزكاة ، وعليّا قاتل أهل الجمل ، وأهل صفّين. انتهى.
وتدل الآية أيضا على وجوب معاونة من بغى عليه ، لقوله (فَقاتِلُوا) ، وعلى وجوب تقديم النصح ، لقوله (فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما) ، وعلى السعي في المصالحة ، وذلك ظاهر.
الرابع ـ وجه الجمع في (اقْتَتَلُوا) ، مع أنه قد يقال : مقتضى الظاهر (اقتتلتا) هو الحمل على المعنى دون اللفظ ، لأن الطائفتين في معنى القوم والناس. والنكتة في اعتبار المعنى أولا. واللفظ ثانيا عكس المشهور في الاستعمال ، ما قيل إنهم أولا في حال القتال مختلطون مجتمعون ، فلذا جمع أولا ضميرهم ، وفي حال الإصلاح متميزون متفارقون ، فلذا ثنى الضمير ثانيا وسرّ قرن الإصلاح الثاني بالعدل ، دون الأول ، لأن الثاني لوقوعه بعد المقاتلة مظنة للتحامل عليهم بالإساءة ، أو لإبهام أنهم لما أحوجوهم للقتال استحقوا الحيف عليهم.
الخامس ـ (أقسط) الرباعيّ همزته للسلب. أي أزيلوا الجور ، واعدلوا. بخلاف (قسط) الثلاثيّ ، فمعناه جار. قال تعالى : (وَأَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ
__________________
(١) أخرجه البخاري في : الفتن ، ٢ ـ باب قول النبي. صلىاللهعليهوسلم «سترون بعدي أمورا تنكرونها» حديث رقم ٢٥٤٧.
وأخرجه مسلم في : الإمارة ، حديث ٤١ و ٤٢.