تنبيهات :
الأول ـ قال القاشانيّ : الاقتتال لا يكون إلا للميل إلى الدنيا ، والركون إلى الهوى ، والانجذاب إلى الجهة السفلية ، والتوجه إلى المطالب الجزئية. والإصلاح إنما. يكون من لزوم العدالة في النفس التي هي ظل المحبة ، التي هي ظل الوحدة. فلذلك أمر المؤمنون الموحدون بالإصلاح بينهما ، على تقدير بغيهما. والقتال مع الباغية على تقدير بغي إحداهما ، حتى ترجع. لكون الباغية مضادة للحق ، دافعة له.
وقد روي أن هذه الآية نزلت في طائفتين من الأوس والخزرج اقتتلتا في بعض ما تنازعتا فيه بالنعال والأيدي ، لا بالسيوف ، فذكر ذلك لرسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فأتاهم فحجز بينهم وأصلح. روي ذلك من طريق عديدة ، مما يقوي أن القتال الذي نزلت فيه كان حقيقيّا.
ويروى عن الحسن أن الاقتتال بمعنى الخصومة ، والقتال بمعنى الدفع مجازا. قال ـ فيما رواه الطبريّ عنه ـ : كانت تكون الخصومة بين الحيين ، فيدعوهم إلى الحكم ، فيأبون أن يجيبوا ، فأنزل الله (وَإِنْ طائِفَتانِ) إلى قوله (فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي ...) الآية. يقول : ادفعوا إلى الحكم ، فكان قتالهم الدفع. انتهى. ولا يخفى أن المادة قد تحمل على حقيقتها ومجازها فتتسع لهما. وقد قال اللغويون : ليس كل قتال قتلا. وقد يفضي الخصام إلى القتل ، فلا مانع أن يراد من الآية ما هو أعم ، لتكون الفائدة أشمل ـ والله أعلم ـ.
الثاني ـ في (الإكليل) : في الآية وجوب الصلح بين أهل العدل والبغي ، وقتال البغاة وهو شامل لأهل مكة كغيرهم ، وأن من رجع منهم وأدبر لا يقاتل ، لقوله (حَتَّى تَفِيءَ). انتهى.
وقد روى سعيد عن مروان قال : صرخ صارخ لعليّ يوم الجمل : لا يقتل مدبر ولا يذفف على جريح ، ومن أغلق بابه فهو آمن ومن ألقى السلاح فهو آمن.
وقد اتفق الفقهاء على حرمة قتل مدبرهم وجريحهم ، وأنه لا يغنم لهم مال ، ولا تسبى لهم ذرية ، لأنهم لم يكفروا ببغيهم ولا قتالهم. وعصمة الأموال تابعة لدينهم ، ولذا يجب رد ذلك إليهم إن أخذ منهم. ولا يضمنوا ما أتلفوه حال الحرب من نفس أو مال. ومن قتل من أهل البغي غسل وكفن وصلي عليه ، فإن قتل العادل كان شهيدا ، فلا يغسل ولا يصلى عليه ، لأنه قتل في قتال أمره الله تعالى به ، كشهيد معركة الكفار.