فالذي هو أولى أن يختمها بالوعيد لمن تقدم على بغيه ، أو بقبيح ركوبه ما ركب مما نهي عنه ، لا أن يخبر عن قبح ما كان التائب أتاه من قبل توبته ، إذ كانت الآية لم تفتتح بالخبر عن ركوبه ما كان ركب قبل التوبة من القبيح ، فيختم آخرها بالوعيد عليه ، أو بالقبيح. انتهى.
(وَمَنْ لَمْ يَتُبْ) أي من نبزه أخاه بما نهى الله عن نبزه به من الألقاب ، أو لمزه إياه ، أو سخريته منه (فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) أي الذين ظلموا أنفسهم فأكسبوها العقاب بركوبهم ما نهوا عنه.
القول في تأويل قوله تعالى :
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) (١٢)
(يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِ) أي كونوا على جانب منه. وذلك بأن تظنوا بالناس سوءا ، فإن الظانّ غير محقق. وإبهام (الكثير) لإيجاب الاحتياط والتورع فيما يخالج الأفئدة من هواجسه ، إذ لا داعية تدعو المؤمن للمشي وراءه ، أو صرف الذهن فيه ، بل من مقتضى الإيمان ظن المؤمنين بأنفسهم الحسن. قال تعالى : (لَوْ لا إِذْ سَمِعْتُمُوهُ ظَنَّ الْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِناتُ بِأَنْفُسِهِمْ خَيْراً وَقالُوا هذا إِفْكٌ مُبِينٌ) [النور : ١٢]. نعم! من أظهر فسقه ، وهتك ستره ، فقد أباح عرضه للناس. ومنه ما روي : من ألقى جلباب الحياء ، فلا غيبة له. ولذا قال الزمخشريّ : والذي يميز الظنون التي يجب اجتنابها عما سواها ، أن كل ما لم تعرف له أمارة صحيحة ، وسبب ظاهر ، كان حراما واجب الاجتناب. وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد من الستر والصلاح ، وأونست منه الأمانة في الظاهر ، فظنّ الفساد والخيانة به محرم ، بخلاف من اشتهره الناس بتعاطي الريب ، والمجاهرة بالخبائث.
(إِنَّ بَعْضَ الظَّنِ) وهو ظن المؤمن بالمؤمن الشر ، لا الخير (إِثْمٌ) أي مكسب للعقاب ، لأن فيه ارتكاب ما نهي عنه.
قال حجة الإسلام الغزاليّ في (الإحياء) في بيان تحريم الغيبة بالقلب : اعلم أن سوء الظن حرام ، مثل سوء القول. فكما يحرم عليك أن تحدّث غيرك بلسانك بمساوئ الغير ، فليس لك أن تحدّث نفسك ، وتسيء الظن بأخيك. قال : ولست