بل بينهما عموم وخصوص مطلق ، لأن الإسلام الانقياد للعمل ظاهرا ، والإيمان تصديق القلب كما قال (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ). انتهى.
وهذا الاستدلال في غاية الضعف. لأن ترادفهما شرعا لا يمنع من إطلاقهما بمعناهما اللغويّ في بعض المواضع. وإبانة ذلك موكولة إلى القرائن ، وهي جلية ، كما هنا. وإلا فآية (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) [آل عمران : ١٩] ، أكبر مناد على اتحادهما. ومن اللطائف أن يقال في الإيمان والإسلام ما قالوه في الفقير والمسكين ، إذا اجتمعا افترقا ، وإذا افترقا اجتمعا. والإيمان والإسلام وأمثالهما ألفاظ شرعية محضة ، ولم يطلقها الشرع إلا على القول والعمل ، كما أوضح ذلك الإمام ابن حزم في (الفصل) فانظره.
الثاني ـ قال في (الإكليل) : في الآية رد على الكرامية في قولهم إن الإيمان هو الإقرار باللسان ، دون عقد القلب ، وهو ظاهر. وقد استوفى الرد عليهم كغيرهم ، الإمام ابن حزم في (الفصل) ، فراجعه.
الثالث ـ قيل ، مقتضى الظاهر أن يقول : قل لا تقولوا آمنا ولكن قولوا أسلمنا. أو : لم تؤمنوا ولكن أسلمتم. فعدل عنه إلى هذا النظم احترازا من النهي عن القول بالإيمان والجزم بإسلامهم ، وقد فقد شرط اعتباره شرعا. وقيل : إنه من الاحتباك ، وأصله : لم تؤمنوا فلا تقولوا آمنا ، ولكن أسلمتم ، فقولوا أسلمنا ، فحذف من كل منهما نظير ما أثبت في الآخر. والأول أبلغ لأنهم ادعوا الإيمان فنفي عنهم ، ثم استدرك عليه فقال : دعوا ادعاء الإيمان ، وادّعوا الإسلام ، فإنه الذي ينبغي أن يصدر عنكم على ما فيه ، فنفى الإيمان ، وأثبت لهم قول الإسلام دون الاتصاف به ، وهو أبلغ مما ذكر من الاحتباك ، مع سلامته من الحذف بلا قرينة ـ هذا ما في القاضي وحواشيه.
(وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ) أي فتأتمروا لأوامرهما ، وتنتهوا عما نهياكم عنه. والخطاب لهؤلاء الأعراب القائلين آمنا (لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً) أي لا يظلمكم من أجور أعمالكم شيئا ، ولا ينقصكم من ثوابها.
قال الزمخشريّ : يقال (ألته السلطان حقه أشد الألت) وهي لغة غطفان. ولغة أسد ، وأهل الحجاز ـ لاته ليتا ـ وحكى الأصمعيّ عن أم هشام السلولية أنها قالت : الحمد لله الذي لا يفات ولا يلات ولا تصمه الأصوات. وقرئ باللغتين (لا يَلِتْكُمْ) و (لا يألتكم). ونحوه في المعنى (فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً) [الأنبياء : ٤٧].