وبقيت أحاديث أخر ساقها ابن كثير ، فانظرها.
وروى الطبريّ عن عطاء قال : قال ابن عباس : ثلاث آيات جحدهن الناس : الإذن كله وقال : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) وقال الناس : أكرمكم أعظمكم بيتا. قال عطاء : نسيت الثالثة.
ولما كانت طليعة السورة في الحديث عن جفاة الأعراب ، والإنكار على مساوئ أخلاقهم ، ثم تأثرها من المناهي عن المنكرات التي تكثر فيهم ، ما كانوا فيها هم المقصود أولا وبالذات ، ثم غيرهم ثانيا وبالعرض ختمها بتعريف أن من كان على شاكلتهم في ارتكاب تلك المناهي ، فهو ممن لم يخامر فؤاده الإيمان ، ثم بيان من المؤمن حقّا ، ليفقهوا أن الأمر ليس كما يزعمون ، فقال سبحانه وتعالى :
القول في تأويل قوله تعالى :
(قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِنْ تُطِيعُوا اللهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) (١٤)
(قالَتِ الْأَعْرابُ) أي المحدث عنهم في أول السورة (آمَنَّا) أي بالله ورسوله ، فنحن مؤمنون ، زعما أن التلفظ بمادة الإيمان هو عنوان كل مكرمة وإحسان. (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) أي لستم مؤمنين ، وإن أخبرتم عنه ، لأن الإيمان قول وعمل. (وَلكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا) أي انقدنا ودخلنا في السلم خوف السباء والقتل (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) أي لأنه لو حل الإيمان في القلوب لتأثر منه البدن ، وظهر عليه مصداقه من الأعمال الصالحة ، والبعد من ركوب المناهي ، فإن لكل حق حقيقة ، ولكل دعوى شاهد. فإن قيل : في قوله (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) بعد قوله (قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا) شبه التكرار من غير استقلال بفائدة متجددة؟ والجواب : إن فائدة قوله (لَمْ تُؤْمِنُوا) تكذيب دعواهم ، وقوله (وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ) توقيت لما أمروا به أن يقولوه ، كأنه قيل لهم : ولكن قولوا أسلمنا حين لم تثبت مواطأة قلوبكم لألسنتكم ، لأنه كلام واقع موقع الحال من الضمير في (قُولُوا). وما في (لَمَّا) من معنى التوقع ، دال على أن هؤلاء قد آمنوا فيما بعد ، فلا تكرار. هذا ما أشار له الزمخشريّ ، واختار كون الجملة حالا ، لا مستأنفة ، إخبارا منه تعالى ، فإنه غير مفيد لما ذكر.
تنبيهات :
الأول ـ قال في (الإكليل) : استدل بالآية من لم ير الإيمان والإسلام مترادفين ،