وقال القاشانيّ : معنى قوله تعالى : (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقاكُمْ) لا كرامة بالنسب ، لتساوي الكل في البشرية المنتسبة إلى ذكر وأنثى. والامتياز بالشعوب والقبائل إنما يكون لأجل التعارف بالانتساب ، لا للتفاخر ، فإنه من الرذائل. والكرامة لا تكون إلا بالاجتناب عن الرذائل الذي هو أصل التقوى. ثم كلما كانت التقوى أزيد رتبة ، كان صاحبها أكرم عند الله ، وأجل قدرا. فالمتقي عن المناهي الشرعية ، التي هي الذنوب ، في عرف ظاهر الشرع ، أكرم من الفاجر ، وعن الرذائل الخلقية كالجهل والبخل والشره والحرص والجبن ، أكرم من المجتنب عن المعاصي الموصوف بها. انتهى.
الرابع ـ روي في معنى الآية أحاديث كثيرة ، منها ما رواه البخاريّ (١) عن أبي هريرة قال : سئل رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أيّ الناس أكرم؟ قال : «أكرمهم عند الله أتقاهم. قالوا : ليس عن هذا نسألك ، قال : فأكرم الناس يوسف نبيّ الله ابن نبي الله ابن نبي الله ابن خليل الله. قالوا : ليس عن هذا نسألك. قال : فعن معادن العرب تسألوني؟ قالوا : نعم. قال : فخياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا».
وروى مسلم (٢) عنه أيضا : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم.
وروى الإمام (٣) أحمد عن أبي ذر قال : إن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال له : انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود ، إلا أن تفضله بتقوى الله.
وروى البزار في مسنده عن حذيفة عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم : «كلكم بنو آدم ، وآدم خلق من تراب ، ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ، أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجعلان».
وروى عبد بن حميد وابن أبي حاتم عن ابن عمر ؛ أن النبيّ صلىاللهعليهوسلم قال في خطبته يوم فتح مكة : «أيها الناس! إن الله تعالى قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعظمها بآبائها. فالناس رجلان : رجل برّ تقيّ كريم على الله تعالى ، ورجل فاجر يتّقى ، هين على الله تعالى. إن الله عزوجل يقول : (يا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثى ..) الآية».
__________________
(١) أخرجه في : الأنبياء ، ٨ ـ باب قول الله تعالى (وَاتَّخَذَ اللهُ إِبْراهِيمَ خَلِيلاً) ، حديث رقم ١٥٨٧.
(٢) أخرجه مسلم في : البرّ والصلة والآداب. حديث رقم ٣٤. عن أبي هريرة.
(٣) أخرجه في المسند في ٥ / ١٥٨.