حتى يدخل معه في حصنه ، فيصيبه ما أصابه. فأجابه إلى ذلك ، ووفى له به. وبلغ رسول الله صلىاللهعليهوسلم خبر بني قريظة ونقضهم للعهد. فبعث إليهم السعدين وخوّات بن جبير وعبد الله بن رواحة ليعرفوه : هل هم على عهدهم أو قد نقضوه. فلما دنوا منهم فوجدوهم على أخبث ما يكون ، وجاهروهم بالسب والعداوة ، ونالوا من رسول الله صلىاللهعليهوسلم. فانصرفوا عنهم ، ولحنوا لرسول الله صلىاللهعليهوسلم لحنا يخبرونه أنهم قد نقضوا العهد وغدروا. فعظم ذلك على المسلمين. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم عند ذلك : الله أكبر! أبشروا يا معشر المسلمين. واشتد البلاء وتجهر النفاق. واستأذن بعض بني حارثة رسول الله صلىاللهعليهوسلم في الذهاب إلى المدينة وقالوا : بيوتنا عورة وما هي بعورة إن يريدون إلا فرارا. وهمّ بنو سلمة بالفشل. ثم ثبّت الله الطائفتين. وأقام المشركون محاصرين رسول الله صلىاللهعليهوسلم شهرا. ولم يكن بينهم قتال. لأجل ما حال الله به من الخندق. بينهم وبين المسلمين. إلا أن فوارس من قريش منهم عمرو بن عبد ودّ وجماعة معه ، أقبلوا نحو الخندق. فلما وقفوا عليه قالوا : إن هذه مكيدة ما كانت العرب تعرفها. ثم تيمموا مكانا ضيقا من الخندق فاقتحموه. وجالت بهم خيلهم في السبخة بين الخندق وسلع. ودعوا إلى البراز. فانتدب لعمرو عليّ بن أبي طالب رضي الله عنه. فبارزه فقتله الله على يديه. وكان من شجعان المشركين وأبطالهم. وانهزم الباقون إلى أصحابهم. وكان شعار المسلمين يومئذ (حم لا ينصرون) ولما طالت هذه الحال على المسلمين ، أراد رسول الله صلىاللهعليهوسلم أن يصالح عيينة بن حصن والحارث بن عوف ، رئيسي غطفان على ثلث ثمار المدينة ، وينصرفا بقومهما. وجرت المراوضة على ذلك. فاستشار السعدين في ذلك فقالا : يا رسول الله! إن كان الله أمرك بهذا ، فسمعا وطاعة. وإن كان شيء تصنعه لنا ، فلا حاجة لنا فيه. لقد كنا نحن هؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان ، وهم لا يطمعون أن يأكلوا منها ثمرة إلا قرى أو بيعا. فحين أكرمنا الله بالإسلام ، وهدانا له ، وأعزنا بك ، نعطيهم أموالنا؟ والله! لا نعطيهم إلا السيف. فصوّب رأيهما وقال : إنما هو شيء أصنعه لكم ، لما رأيت العرب قد رمتكم عن قوس واحدة.
ثم إن الله عزوجل ، وله الحمد ، صنع أمرا من عنده. خذل به بين العدوّ وهزم جموعهم ، وفلّ حدّهم. فكان مما هيأ من ذلك ، أن رجلا من غطفان يقال له نعيم بن مسعود بن عامر ، رضي الله عنه ، جاء إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقال : يا رسول الله! إني قد أسلمت. فمرني بما شئت. فقال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : إنما أنت رجل واحد. فخذّل عنا ما استطعت : فإن الحرب خدعة. فذهب من فوره ذلك إلى بني قريظة. وكان عشيرا