لهم في الجاهلية ، فدخل عليهم وهم لا يعلمون بإسلامه فقال : يا بني قريظة! إنكم قد حاربتم محمدا. وإن قريشا إن أصابوا فرصة انتهزوها ، وإلا انشمروا إلى بلادهم راجعين وتركوكم ومحمدا ، فانتقم منكم. قالوا : فما العمل؟ يا نعيم! قال : لا تقاتلوا معهم حتى يعطوكم رهائن. قالوا : لقد أشرت بالرأي. ثم مضى على وجهه إلى قريش. قال لهم : تعلمون ودّي لكم ونصحي لكم. قالوا : نعم قال : إن يهود قد ندموا على ما كان منهم من نقض عهد محمد وأصحابه. وإنهم قد راسلوه أنهم يأخذون منكم رهائن يدفعونها إليه ثم يوالونه عليكم. فإن سألوكم رهائن فلا تعطوهم. ثم ذهب إلى غطفان فقال لهم مثل ذلك. فلما كان ليلة السبت من شوّال بعثوا إلى يهود : إنا لسنا بأرض مقام ، وقد هلك الكراع والخفّ. فانهضوا بنا حتى نناجز محمدا فأرسل إليهم اليهود : إن اليوم يوم السبت وقد علمتم ما أصاب من قبلنا حين أحدثوا فيه. ومع هذا ، فإنا لا نقاتل معكم حتى تبعثوا لنا رهائن. فلما جاءتهم رسلهم بذلك ، قالت قريش صدقكم ، والله! نعيم. فبعثوا إلى يهود : إنا ، والله! لا نرسل إليكم أحدا. فاخرجوا معنا حتى نناجز محمدا. فقالت قريظة : صدقكم ، والله! نعيم. فتخاذل الفريقان : وأرسل الله عزوجل على المشركين جندا من الريح في ليال شاتية باردة شديدة البرد. فجعلت تقوّض خيامهم ، ولا تدع لهم قدرا إلا كفأتها ، ولا طنبا إلا قلعته ، ولا يقر لهم قرار. وجند الله من الملائكة يزلزلونهم ويلقون في قلوبهم الرعب والخوف. وأرسل رسول الله صلىاللهعليهوسلم حذيفة بن اليمان يأتيه بخبرهم ، فوجدهم على هذه الحال وقد تهيأوا للرحيل. فرجع إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فأخبرهم برحيل القوم. فأصبح رسول الله صلىاللهعليهوسلم وقد ردّ الله عدوّه بغيظه ، لم ينالوا خيرا وكفى الله قتالهم. فصدق وعده. وأعز جنده ونصر عبده. وهزم الأحزاب وحده.
ثم لما رجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلى المدينة مؤيدا منصورا والمسلمون معه ، ووضعوا السلاح ، وكانت الظّهر ، أتى جبريل النبيّ صلىاللهعليهوسلم فقال : إنّ الله عزوجل يأمرك بالمسير إلى بني قريظة ـ وهم قبيلة من يهود خيبر ـ فإني عامد إليهم فمزلزل بهم. فأمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم مؤذنا فأذن في الناس : من كان سامعا مطيعا ، فلا يصلّين العصر إلا ببني قريظة. واستعمل على المدينة ابن أم مكتوم. وقدّم رسول الله صلىاللهعليهوسلم علىّ بن أبي طالب ، رضوان الله عليه ، برايته إلى بني قريظة. وابتدرها الناس. فسار عليّ ، حتى إذا دنا من الحصون سمع منها مقالة قبيحة لرسول الله صلىاللهعليهوسلم. فرجع حتى لقي رسول الله صلىاللهعليهوسلم بالطريق. فقال : يا رسول الله! لا عليك أن لا تدنو من هؤلاء الأخابث. قال : لم؟ أظنك سمعت منهم لي أذى. قال : نعم. يا رسول الله؟ قال : لو رأوني لم يقولوا