أشار إلى أن مخالفتهما رجس لا يناسب فضل أهل البيت بقوله : (إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) أي ما أمركنّ ونهاكنّ ، ووعظكنّ ، إلا خيفة مقارفة المآثم والحرص على التصوّن عنها بالتقوى. فالجملة تعليلية لأمرهنّ ونهيهن على سبيل الاستئناف.
قال الزمخشري : استعار للذنوب (الرجس) وللتقوى (الطهر). لأن عرض المقترف للمقبحات يتلوّث بها ويتدنس كما يتلوّث بدنه بالأرجاس. وأما المحسنات فالعرض معها نقيّ مصون كالثوب الطاهر. وفي هذه الاستعارة ما ينفر أولي الألباب عما كرهه الله لعباده ونهاهم عنه. ويرغبهم فيما رضيه لهم وأمرهم به. و (أَهْلَ الْبَيْتِ) نصب على النداء أو على المدح. والمراد بهم من حواهم بيت النبيّ صلىاللهعليهوسلم.
قال ابن كثير : وهذا نص في دخول أزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم في أهل البيت هاهنا ، لأنهن سبب نزول هذه الآية ، وسبب النزول داخل فيه قولا واحدا. إما وحده على قول ، أو مع غيره على الصحيح. وأما قول عكرمة ، إنها نزلت في نساء النبيّ صلىاللهعليهوسلم خاصة ، ومن شاء باهلته في ذلك ، فإن كان المراد أنهن كنّ سبب النزول دون غيرهن ، فصحيح. وإن أريد أنهن المراد فقط دون غيرهن ، ففي هذا نظر. فإنه قد وردت أحاديث تدل على أن المراد أعم من ذلك. وأنه صلىاللهعليهوسلم (١) جمع عليّا وفاطمة والحسن والحسين ، ثم جللهم بكساء كان عليه. ثم قال : هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس. وقد ساق ابن كثير طرق هذا الحديث ومخرجيه. إلا أن الشيخين لم يصححاه ، ولذا لم يخرجاه. وأما ما رواه مسلم (٢) عن حصين بن سبرة ، عن زيد بن أرقم ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : أما بعد ، أيها الناس! إنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب. وأنا تارك فيكم ثقلين : أولهما كتاب الله ، فيه الهدى والنور. فخذوا بكتاب الله واستمسكوا به فحثّ على كتاب الله عزوجل ورغّب فيه. ثم قال : وأهل بيتي. أذكّركم الله في أهل بيتي. قالها ثلاثا. فقال له حصين : ومن أهل بيته يا زيد؟ أليس نساؤه من أهل بيته؟ قال : نساؤه من أهل بيته. ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده. قال : ومن هم؟ قال : آل عليّ وآل عقيل وآل جعفر وآل عباس رضي الله عنهم ـ فإنما مراد زيد ، آله الذين حرموا الصدقة. أو أنه ليس المراد بالأهل الأزواج فقط ، بل هم مع آله.
__________________
(١) أخرجه الترمذي في : المناقب ، ٦٠ ـ باب فضل فاطمة بنت محمد صلىاللهعليهوسلم.
(٢) أخرجه في : فضائل الصحابة ، حديث رقم ٣٦.