عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ) على وقوع المراد؟ وعندهم أن الله قد أراد إيمان من على وجه الأرض. فلم يقع مراده. وأما على قول أهل الإثبات ، فالتحقيق في ذلك أن الإرادة في كتاب الله نوعان : إرادة شرعية دينية تتضمن محبته ورضاه. وإرادة كونية قدرية تتضمن خلقه وتقديره. الأولى مثل هؤلاء الآيات. والثانية مثل قوله تعالى (فَمَنْ يُرِدِ اللهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ) [الأنعام : ١٢٥] ، وقول نوح (وَلا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ إِنْ كانَ اللهُ يُرِيدُ أَنْ يُغْوِيَكُمْ) [هود : ٣٤] ، وكثير من المثبتة والقدرية يجعل الإرادة نوعا واحدا ، كما يجعلون الإرادة والمحبة شيئا واحدا. ثم القدرية ينفون إراداته لما بيّن أنه مراد في الآيات التشريع. فإنه عندهم كل ما قيل إنه مراد. فلا يلزم أن يكون كائنا ، والله قد أخبر أنه يريد أن يتوب على المؤمنين وأن يطهرهم. وفيهم من تاب وفيهم من لم يتب. وفيهم من تطهر وفيهم من لم يتطهر. وإذا كانت الآية دالة على وقوع أراده من التطهير وإذهاب الرجس ، لم يلزم بمجرد الآية ثبوت ما ادعاه. ومما يبيّن ذلك ، أزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم مذكورات في الآية. والكلام في لأمر بالتطهير بإيجابه ووعد الثواب على فعله والعقاب على تركه. قال تعالى : (يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً) [الأحزاب : ٣٠] ، إلى قوله : (وَأَطِعْنَ اللهَ وَرَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) ، فالخطاب كله لأزواج النبيّ صلىاللهعليهوسلم ومعهن الأمر والنهي والوعد والوعيد. لكن لما تبيّن ما في هذا من المنفعة التي تعمّهن وتعمّم غيرهن من أهل البيت ، جاء التطهير بهذا الخطاب وغيره ليس مختصا بأزواجه. بل هو متناول لأهل البيت كلهم. وعلي وفاطمة والحسن والحسين أخص من غيرهم بذلك. ولذلك خصهم النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالدعاء لهم. وهذا كما أن قوله : (لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ) [التوبة : ١٠٨] ، نزلت بسبب (مسجد قباء) لكن الحكم يتناوله ويتناول ما هو أحق منه بذلك ، وهو (مسجد المدينة) وهذا يوجه ما ثبت في الصحيح (١) عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه سئل عن المسجد الذي أسس على التقوى فقال : «هو مسجدي هذا». وثبت عنه في الصحيح (٢) أنه كان يأتي قباء
__________________
(١) أخرجه مسلم في : الحج ، حديث رقم ٤١٥.
(٢) أخرجه البخاري في : فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة ، ٣ ـ باب من أتى مسجد قباء كل سبت ، حديث ٦٤٧ ، عن ابن عمر.
وأخرجه مسلم في : الحج ، حديث رقم ٥١٥.