نعم هناك تقاليد وأعراف قومية ما زالت متغيرة بتغير الأوضاع ولا صلة لها بالأخلاق. فإنّ مظاهر الاحترام والتكريم تختلف بين الأقوام فالمثول أمام الكبير بلا قلنسوة تكريم ومعها إهانة ، على عكس ما يتصوّره أقوام أُخر وفي الوقت نفسه لا صلة لهما بالأخلاق وإنّما يجسدان أصلاً أخلاقياً وهو تكريم الكبير. وهذا أصل ثابت. وإنّما التغيير في مُظهره وممثله. وقس على ذلك كل ما يتصوّر كونه أخلاقاً متغيرة.
وعلى ذلك فلمسألة الحسن والقبح دور واضح في إثبات الأخلاق الثابتة ورد ما يكن بعض رجال العيث والفساد من أنّه لا أصل ثابت في عالم الأخلاق.
وبذلك تقدر على حلّ مشكلة الخاتمية وسيادة أُصولها الثابتة في جميع الحضارات والظروف ، فانّ الثابت عبارة عن الأُصول الفطرية التي لها جذور في طبيعة الإنسان وخلقته ، وبما أنّ خلقة الإنسان متساوية في جميع الظروف غير متغيرة بتغيّرها ، تصبح الأُصول المبنية على الفطرة الإنسانية أُصولاً ثابتة قائمة مرّ الحقب والأعوام. فقوله سبحانه : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسانِ وَيَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ) لامع في جميع الأدوار وذلك لأنّ العدل والإحسان يوافقان طبيعة الإنسان وتطلبهما في كل زمان.
نعم هناك ألوان لإجراء الأُصول الثابتة ، وطرق مختلفة للوصول إليها فهي لم تنزل متغيرة حسب تغير الحضارات ، فالتغيير في القشر لا يضرّ بثبات اللب. وإليك بيانه :
إنّ للإنسان ـ مع قطع النظر عمّا يحيط به من شروط العيش المختلفة ـ روحيات وغرائز خاصّة تلازمه ، ولا تنفك عنه ، إذ هي في الحقيقة مشخّصات تكوينية له ، بها يتميز عن سائر الحيوانات وتلازم وجوده في كل عصر ولا تنفك عنه