قال بعضهم : (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) عن حظوظك ، ورافع شخصك إليّ ، ومطهر سرك من مطالعة الأغيار والأعواض بالكلية ، ومما سمح لي في هذه بالبديهة بعد ذكر المشايخ رضوان الله عليهم ، (إِنِّي مُتَوَفِّيكَ) غيرة حتى لا ينظر إليك بنعت المحبة غيري ، (وَرافِعُكَ إِلَيَ) بنعت العشق ، (وَمُطَهِّرُكَ) من التفاتك إلى الملكوت ؛ لأن من شرط اتحاد الحبيب بالمحبوب ألا يدخل بينهما من الحدثان ، فإذا كان العارف بلغ مقام صرف التوحيد يتشعشع نور جمال الحق من وجوده فسجد له الكون ، ومن فيه بالظاهر طوعا وكرها ؛ لأن من رأى حسن جلال الحق بالواسطة ، ولم يبلغ حقيقة تحقيق المعرفة يصير مشبهيّا بوقوعه في الوسائط لأجل ذلك رفع روحه إليه حتى يستقيم نظام الشريعة ولم ينسخ أحكام السنة (إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللهِ كَمَثَلِ آدَمَ) خلق الله الأرواح القدسية من معادن الربوبية ، وجللها بنور المشاهدة فصارت تلك الجواهر من أصل واحد ، وإن كان تتفاوت في المقامات وصورة البشريات فروح آدم من الملكوت خلق ، وجميع ذريته من الأنبياء والصديقين معها ، فذكر الله تعالى ما صنع بروح آدم من تخصيصها بالقربة والكرامة والمشاهدة والعلم والمكاشفة والتفريد والتوحيد فذكر أن روح عيسى في منازل القربات مثل روح آدم بما ذكر من تخصيصها ، فقال لآدم عليهالسلام : (وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي) [ص : ٧٣] ومثل هذا قال لعيسى عليهالسلام لكن شرف آدم عليهالسلام بإضافة خلق صورته إلى نفسه فقال : (خَلَقْتُ بِيَدَيَ) [ص : ٧٥] وأنه أسجد له ملائكته تخصيصا أو تشريفا من جميع الخلق لهذه المنزلة ، وقوله : (خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ) دفعا لتهمة الجهلة حتى لا يظنون قدحا في الربوبية.
قال الأستاذ : حضهما بتطهر الروح عن التناسخ في الأصلاب ، وأفرد آدم بصنعة اليد وعيسى بتخصيص نفخ الروح فيه على وجه الإعزاز ، وهما وإن كانا كبيري الشأن فنقض الحدثان والمخلوقية لازم لهما ، قال الله تعالى : (ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) قوله : (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) طيب الله تعالى هذا قلب نبيه عليهالسلام أي : كما كنت قادرا بخلق آدم وعيسى بكلمتي وقوة سلطاني فأعطيتك بما وعدتك من كمال دينك وشريعتك وتمام نعمة المعرفة عليك وعلى متبعيك فلا تكن ملهوفا من خطرات نفسك.
قال بعضهم : (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) ألا يظهر شيئا من المكونات إلا من تحت ذل (كُنْ) فلا تشكنّ فإنه منفرد بأسمائه وصفاته لا ينازعه في صفاته أحد من عبيده وخلقه.
وقال الأستاذ : الحق من ربك يا محمد فلا تشكنّ في أنه لا يماثله في الإيجاد واحد ، ولا على إثبات سببه لمخلوق قدرة فالموجودات التي حقت بوجودها عن كتم العدم من الله عز