«الفقر فخري» (١).
وأيضا : منكم من يريد الدنيا للفناء ، ومنكم من يريد الآخرة للبقاء ، وأيضا منكم من يريد مشاهدة الله في الدنيا كموسى عليهالسلام ، ومنكم من يريد مشاهدة الله على نعت السرمد ، ولا يكون إلا في الآخرة وعده.
قوله تعالى : (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيا) أي : ربّ الدنيا كقوله : (وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ) [يوسف : ٨٢] أي : أهل القرية.
قال أبو سعيد الخرّاز : ما دمتم بكم ، وأوصافكم كانت همتكم الحوادث والدارين ، وإذا توليتكم وأخليتكم من صفاتكم وأكوانكم ، وعلوت بهممكم إلىّ فأفنيتكم من النظر إلى الأكوان وإرادتها ، وأفنيتكم بالحق مع الحق ، وقال : متى ما طالعهم بأسرارهم بحقهم عن آثارهم ودهشتهم في مبادئهم.
قال النوري : العامة في قميص العبودية ، والخاصة في قميص الربوبية ، فلا يلاحظون العبودية ، وأهل الصفوة جذبهم الحق ومحاهم عن نفوسهم.
قال الشبلي : منكم من يريد الدنيا للقناعة ، ومنكم من يريد الآخرة للجنة ، وأين مريد الله؟ ومريد الله من إذا قال ، قال : الله ، وإذا سكت فليس سوى الله.
وقال سهل بن عبد الله : دنياك نفسك ، فإذا أفنيتها فلا دنيا لك.
قيل : قرئت هذه الآية بين يدي الشبلي ، فقال : أوه ، من قطع طريق الخلق إليه وردّ الأشباح إلى قيمتها.
قال محمد بن علي : منكم من يريد الدنيا للآخرة ، ومنكم من يريد الآخرة لله.
(ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَطائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ ما لا يُبْدُونَ لَكَ يَقُولُونَ لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ما قُتِلْنا هاهُنا قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلى مَضاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ ما فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ ما فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ (١٥٤) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٥٥) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ
__________________
(١) ذكره العجلوني في «كشف الخفاء» (٢ / ١١٣).