أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَالْمُقِيمِينَ الصَّلاةَ وَالْمُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالْمُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ أُولئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً (١٦٢))
قوله تعالى : (وَلكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) كان روحا روحانيّا إلهيّا يحيي الأموات به ، حيث يبرز نور الألوهية منه لها ؛ لأنه من الله سبحانه بالقدرة ، فلمّا أراد الله أن يرفعه إلى جواره رفع الحجاب عن روحه ، فظهر روحه لبعض خاصته ، فصار منقوشا بنقشه ؛ لأن صورة عيسى عليهالسلام منقوشة بنقش روحه ، وهذا منه قوة إلهية ، وهو كان بها مؤيدا بقلب الأعيان ، ولا تكون هذا إلا من فعل الله المنزّه عن مزج لاهوتية ناسوتية الإنسان.
وأدقّ الإشارة فيه : أن الله سبحانه عرف طباع اليهود والنصارى بميلها إلى التشبيه ، وتنفرها من القدس والتنزيه ؛ لأنهم أصحاب المخائيل.
ألا ترى إلى عبدة العجل كيف كان حبهم لها ، وقول النصارى أن الله هو المسيح ، فشبه لهم صورة عيسى عليهالسلام بنعت الالتباس من تجلّى نور اللاهوت من الناسوت لقلّة عرفانهم قدس الأزل عن نعوت الحدث ، فغلظ بعضهم وقالوا بإلهية عيسى وعزير عليهماالسلام ، فغرقهم عيسى مكان المكر في الالتباس ، وفات خطهم من رؤيته ، قصدوه بالقتل ، فألقى الله سبحانه عكس ذلك الشبه على أحد استدراجا ومكرا ، فقتلوه ؛ لأنهم ما وجدوا فيه ما وجدوا في عيسى عليهالسلام من حلاوة الحب ولذّة العشق ، وهذا الفقدان من رفعه إلى السماء بقوله تعالى : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ).
قيل في تفسير : (بَلْ رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ) كساه الريش ، وألبسه النور ، وقطع لذّة المطعم والمشرب ، وطار مع الملائكة حول العرش ، فكان إنسيّا ملكيّا سماويّا أرضيّا.
قوله تعالى : (لكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) المستقيمون في سماع خطاب الخاص من الله سبحانه بغير معارضة النفوس واضطراب الأسرار ؛ لأنهم عالمون إلهام الحق من وسوسة الشيطان ، وهم مفرّقون بين لّمة الشيطان ولّمة الملك ، ويعرفون خطاب العقل والقلب والنفس والروح والملك والسرّ والشيطان بنور خطاب الله ، ويعرف به مكان كل خطاب ، علمهم لدنيّ ، ولسانهم إلهيّ ، وقلبهم عرشيّ ، وروحهم ملكوتية ، وأسرارهم مشحونة بالعلوم المجهولة ، والأنباء العجيبة الغيبية ، ويزنونها في جميع الأنفاس بميزان القرآن والسنة وكلام الأولياء.
قيل : هم العلماء بالله ، والعلماء بأمر الله ، والمتبعون سنة رسول الله صلىاللهعليهوسلم.
قيل : هم الواقفون مع حدود العلم وشرائطه ، لا يجاوزونه بالرخص والتأويلات.