وإذا فدعاء نوح ـ عليهالسلام ـ عليهم بالازدياد من الضلال الذي هو ضد الهدى ، إنما كان بعد أن يئس من إيمانهم ، وبعد أن أخبره ربه أنهم لن يؤمنوا.
قال صاحب الكشاف : قوله : (وَقَدْ أَضَلُّوا كَثِيراً) الضمير للرؤساء ، ومعناه : وقد أضلوا كثيرا قبل هؤلاء الذين أمروهم بأن يتمسكوا بعبادة الأصنام .. ويجوز أن يكون الضمير للأصنام ، كقوله ـ تعالى ـ (إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيراً مِنَ النَّاسِ).
فإن قلت : علام عطف قوله : (وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا ضَلالاً)؟ قلت : على قوله (رَبِّ إِنَّهُمْ عَصَوْنِي) على حكاية كلام نوح .. ومعناه : قال رب إنهم عصون ، وقال : ولا تزد الظالمين إلا ضلالا.
فإن قلت : كيف جاز أن يريد لهم الضلال ، ويدعو الله بزيادته؟ قلت : لتصميمهم على الكفر ، ووقوع اليأس من إيمانهم .. ويجوز أن يريد بالضلال : الضياع والهلاك .. (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) كلام معترض بين ضراعات نوح إلى ربه. والمقصود به التعجيل ببيان سوء عاقبتهم ، والتسلية للرسول صلىاللهعليهوسلم عما أصابه من قومه.
و «من» في قوله (مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ) للتعليل ، و «ما» مزيدة لتأكيد هذا التعليل.
والخطيئات جمع خطيئة ، والمراد بها هنا : الإشراك به ـ تعالى ـ وتكذيب نوح ـ عليهالسلام ـ والسخرية منه ومن المؤمنين.
أى : بسبب خطيئاتهم الشنيعة ، وليس بسبب آخر (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) يصلون سعيرها في قبورهم إلى يوم الدين ، ولعذاب الآخرة أشد وأبقى.
وهم عند ما نزل بهم الطوفان الذي أهلكهم ، وعند ما ينزل بهم عذاب الله في الآخرة. لن يجدوا أحدا ينصرهم ويدفع عنهم عذابه ـ تعالى ـ لا من الأصنام التي تواصوا فيما بينهم بالعكوف على عبادتها ، ولا من غير هذه الأصنام.
فالآية الكريمة تعريض بمشركي قريش ، الذين كانوا يزعمون أن أصنامهم ستشفع لهم يوم القيامة ، والذين حكى القرآن عنهم قولهم : (ما نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللهِ زُلْفى).
والتعبير بالفاء في قوله : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً ، فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللهِ أَنْصاراً) للإشعار بأن دخولهم النار كان في أعقاب غرقهم بدون مهلة ، وبأن صراخهم وعويلهم كان بعد
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٢٠.