أى : ولو أن هؤلاء العادلين عن طريق الحق إلى طريق الباطل استقاموا على الطريقة المثلى ، التي هي طريق الإسلام ، والتزموا بما جاءهم به النبي صلىاللهعليهوسلم من عند ربه ...
لو أنهم فعلوا ذلك ، لفتحنا عليهم أبواب الرزق ، ولأعطيناهم من بركاتنا وخيراتنا الكثير ... وخص الماء الغدق بالذكر ، لأنه أصل المعاش والسعة.
ومن الآيات التي وردت في هذا المعنى قوله ـ تعالى ـ : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) وقوله ـ سبحانه ـ (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ وَالْأَرْضِ ...) وقوله ـ تعالى ـ (وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقامُوا التَّوْراةَ وَالْإِنْجِيلَ وَما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ مِنْ رَبِّهِمْ ، لَأَكَلُوا مِنْ فَوْقِهِمْ وَمِنْ تَحْتِ أَرْجُلِهِمْ ...).
ثم بين ـ سبحانه ـ الحكمة في هذا العطاء لعباده فقال : (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) وأصل الفتن الامتحان والاختبار. تقول : فتنت الذهب بالنار ، أى : اختبرته لتعرف مقدار جودته.
والمعنى : نعطيهم ما نعطيهم من خيراتنا ، لنختبرهم ونمتحنهم ، ليظهر للخلائق موقفهم من هذه النعم ، أيشكروننا عليها فنزيدهم منها ، أم يجحدون ويبطرون فنمحقها من بين أيديهم ...؟.
والجملة الكريمة معترضة بين ما قبلها ، وبين قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذاباً صَعَداً).
وقوله : (يَسْلُكْهُ) من السلك بمعنى إدخال الشيء في الشيء ومنه قوله ـ تعالى ـ : (كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ). والصّعد : الشاق. يقال : فلان في صعد من أمره ، أى : في مشقة وتعب ، وهو مصدر صعد ـ كفرح ـ صعدا وصعودا.
أى : ومن يعرض عن طاعة ربه ومراقبته وخشيته ... يدخله ـ سبحانه ـ في عذاب شاق أليم ، لا مفر منه ، ولا مهرب له عنه.
ومن الحقائق والحكم التي نأخذها من هاتين الآيتين ، أن الاستقامة على أمر الله ، تؤدى إلى السعادة التي ليس بعدها سعادة ، وأن رخاء العيش وشظافته هما لون من ألوان الابتلاء والاختبار ، كما قال ـ تعالى ـ : (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً) ، وأن الإعراض عن ذكر الله .... عاقبته الخسران المبين ، والعذاب الأليم.
قال القرطبي ما ملخصه : قوله : (لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ) أى لنختبرهم كيف شكرهم فيه على تلك النعم.
وقال عمر بن الخطاب في هذه الآية : أينما كان الماء كان المال ، وأينما كان المال كانت الفتنة