والملاطفة من ربه ، كما تقدم في سورة المزمل. ومثله قول النبي صلىاللهعليهوسلم لعلىّ إذ نام في المسجد «قم أبا تراب».
وكان قد خرج مغاضبا لفاطمة ـ رضى الله عنها ـ ، فسقط رداؤه وأصابه التراب. ومثله قوله صلىاللهعليهوسلم لحذيفة بن اليمان ليلة الخندق «قم يا نومان» (١).
والمراد بالقيام في قوله ـ تعالى ـ : قم فأنذر ، المسارعة والمبادرة والتصميم على تنفيذ ما أمره ـ سبحانه ـ به ، والإنذار هو الإخبار الذي يصاحبه التخويف.
أى : قم ـ أيها الرسول الكريم ـ وانهض من مضجعك ، وبادر بعزيمة وتصميم ، على إنذار الناس وتخويفهم من سوء عاقبتهم ، إذا ما استمروا في كفرهم ، وبلغ رسالة ربك إليهم دون أن تخشى أحدا منهم ، ومرهم بأن يخلصوا له ـ تعالى ـ العبادة والطاعة.
والتعبير بالفاء في قوله : (فَأَنْذِرْ) للإشعار بوجوب الإسراع بهذا الإنذار بدون تردد.
وقال : فأنذر ، دون فبشر ، لأن الإنذار هو المناسب في ابتداء تبليغ الناس دعوة الحق حتى يرجعوا عما هم فيه من ضلال.
ومفعول أنذر محذوف. أى : قم فأنذر الناس ، ومرهم بإخلاص العبادة لله.
وقوله : (وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ) أمر آخر له صلىاللهعليهوسلم ولفظ (وَرَبَّكَ) منصوب على التعظيم لفعل (فَكَبِّرْ) قدم على عامله لإفادة التخصيص.
أى : يا أيها المدثر بثيابه لخوفه مما رآه من ملك الوحى ، لا تخف ، وقم فأنذر الناس من عذاب الله ، إذا ما استمروا في شركهم ، واجعل تكبيرك وتعظيمك وتبجيلك لربك وحده ، دون أحد سواه ، وصفه بما هو أهله من تنزيه وتقديس.
والمراد بتطهير الثياب في قوله ـ تعالى ـ : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) تطهيرها من النجاسات.
والمقصود بالثياب حقيقتها ، وهي ما يلبسه الإنسان لستر جسده ..
ومنهم من يرى أن المقصود بها ذاته ونفسه صلىاللهعليهوسلم أى : ونفسك فطهرها من كل ما يتنافى مع مكارم الأخلاق ، ومحاسن الشيم.
وقال صاحب الكشاف : قوله ـ تعالى ـ : (وَثِيابَكَ فَطَهِّرْ) أمر بأن تكون ثيابه طاهرة من النجاسات ، لأن طهارة الثياب شرط في الصلاة ، ولا تصح إلا بها. وهي الأولى والأحب في غير الصلاة. وقبيح بالمؤمن الطيب أن يحمل خبثا.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٩ ص ٦١.