وقيل : هو أمر بتطهير النفس مما يستقذر من الأفعال ، ويستهجن من العادات. يقال : فلان طاهر الثياب ، وطاهر الجيب والذيل والأردان ، إذا وصفوه بالنقاء من المعايب ، ومدانس الأخلاق. ويقال : فلان دنس الثياب : للغادر ـ والفاجر ـ ، وذلك لأن الثوب يلابس الإنسان ، ويشتمل عليه .. (١).
وسواء أكان المراد بالثياب هنا معناها الحقيقي ، أو معناها المجازى المكنى به عن النفس والذات ، فإن الرسول صلىاللهعليهوسلم كان مواظبا على الطهارة الحسية والمعنوية في كل شئونه وأحواله ، فهو بالنسبة لثيابه كان يطهرها من كل دنس وقذر ، وبالنسبة لذاته ونفسه ، كان أبعد الناس عن كل سوء ومنكر من القول أو الفعل.
إلا أننا نميل إلى حمل اللفظ على حقيقته ، لأنه لا يوجد ما يوجب حمله على غير ذلك.
ثم أمره ـ سبحانه ـ بأمر رابع فقال : (وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ) والأصل في كلمة الرجز أنها تطلق على العذاب ، قال ـ تعالى ـ : (فَلَمَّا كَشَفْنا عَنْهُمُ الرِّجْزَ إِلى أَجَلٍ هُمْ بالِغُوهُ ، إِذا هُمْ يَنْكُثُونَ).
والمراد به هنا : الأصنام والأوثان ، أو المعاصي والمآثم التي يؤدى اقترافها إلى العذاب. أى : وداوم ـ أيها الرسول الكريم ـ على ما أنت عليه من ترك عبادة الأصنام والأوثان ، ومن هجر المعاصي والآثام.
فالمقصود بهجر الرجز : المداومة على هجره وتركه ، لأنه صلىاللهعليهوسلم لم يلتبس بشيء من ذلك.
ثم نهاه ـ سبحانه ـ عن فعل ، لا يتناسب مع خلقه الكريم صلىاللهعليهوسلم فقال : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) والمن : أن يعطى الإنسان غيره شيئا ، ثم يتباهى به عليه ، والاستكثار : عد الشيء الذي يعطى كثيرا.
أى : عليك ـ أيها الرسول الكريم ـ أن تبذل الكثير من مالك وفضلك لغيرك ، ولا تظن أن ما أعطيته لغيرك كثيرا ـ مهما عظم وجل ـ فإن ثواب الله وعطاءه أكثر وأجزل ...
ويصح أن يكون المعنى : ولا تعط غيرك شيئا ، وأنت تتمنى أن يرد لك هذا الغير أكثر مما أعطيته ، فيكون المقصود من الآية : النهى عن تمنى العوض.
قال ابن كثير : قوله : (وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ) قال ابن عباس : لا تعط العطية تلتمس أكثر منها.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٤٥.