وزيادة غيظهم ، وبين بشارة المؤمنين وتسليتهم. ويجوز أن يراد أنه عسير لا يرجى أن يرجع يسيرا. كما يرجى تيسير العسير من أمور الدنيا (١).
ثم ذكر ـ سبحانه ـ جانبا من قصة زعيم من زعماء المشركين. افترى الكذب على الله ـ تعالى ـ وعلى رسوله صلىاللهعليهوسلم فكانت عاقبته العذاب المهين ، فقال ـ تعالى ـ : (ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً. وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً. وَبَنِينَ شُهُوداً. وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً. ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ. كَلَّا ...).
وقد ذكر المفسرون أن هذه الآيات نزلت في شأن الوليد بن المغيرة المخزومي ، وذكروا في ذلك روايات منها : أن المشركين عند ما اجتمعوا في دار الندوة ، ليتشاوروا فيما يقولونه في شأن الرسول صلىاللهعليهوسلم وفي شأن القرآن الكريم ـ قبل أن تقدم عليهم وفود العرب للحج. فقال بعضهم : هو شاعر ، وقال آخرون بل هو كاهن .. أو مجنون .. وأخذ الوليد يفكر ويرد عليهم ، ثم قال بعد أن فكر وقدر : ما هذا الذي يقوله محمد صلىاللهعليهوسلم إلا سحر يؤثر ، أما ترونه يفرق بين الرجل وامرأته ، وبين الأخ وأخيه .. (٢).
قال الآلوسى : نزلت هذه الآيات في الوليد بن المغيرة المخزومي ، كما روى عن ابن عباس وغيره. بل قيل : كونها فيه متفق عليه .. وقوله : (وَحِيداً) حال من الياء في (ذَرْنِي) أى : ذرني وحدي معه فأنا أغنيك في الانتقام منه ، أو من التاء في خلقت أى : خلقته وحدي ، لم يشركني في خلقه أحد ، فأنا أهلكه دون أن أحتاج إلى ناصر في إهلاكه ، أو من الضمير المحذوف العائد على «من» أى : ذرني ومن خلقته وحيدا فريدا لا مال له ولا ولد .. وكان الوليد يلقب في قومه بالوحيد .. لتفرده بمزايا ليست في غيره ـ فتهكم الله ـ تعالى ـ به وبلقبه ، أو صرف هذا اللقب من المدح إلى الذم (٣).
أى : اصبر ـ أيها الرسول الكريم ـ على ما يقوله أعداؤك فيك من كذب وبهتان ، واتركني وهذا الذي خلقته وحيدا فريدا لا مال له ولا ولد ثم أعطيته الكثير من النعم ، فلم يشكرني على ذلك.
والتعبير بقوله (ذَرْنِي) للتهديد والوعيد ، وهذا الفعل يأتى منه الأمر والمضارع فحسب ، ولم يسمع منه فعل ماض.
وقوله : (وَجَعَلْتُ لَهُ مالاً مَمْدُوداً) أى : وجعلت له مالا كثيرا واسعا ، يمد بعضه بعضا ،
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٤٧.
(٢) تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٢٩٢.
(٣) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ١٢٢.