فقوله : (مَمْدُوداً) اسم مفعول من «مدّ» الذي بمعنى أطال بأن شبهت كثرة المال ، بسعة مساحة الجسم.
أو من «مدّ» الذي هو بمعنى زاد في الشيء من مثله ، ومنه قولهم : مد الوادي النهر ، أى : مده بالماء زيادة على ما فيه.
قالوا : وكان الوليد من أغنى أهل مكة ، فقد كانت له أموال كثيرة من الإبل والغنم والعبيد والبساتين وغير ذلك من أنواع الأموال.
(وَبَنِينَ شُهُوداً) أى : وجعلت له ـ بجانب هذا المال الممدود ـ أولادا يشهدون مجالسه ، لأنهم لا حاجة بهم إلى مفارقته في سفر أو تجارة ، إذ هم في غنى عن ذلك بسبب وفرة المال في أيدى أبيهم.
فقوله : (شُهُوداً) جمع شاهد بمعنى حاضر ، وهو كناية عن كثرة تنعمهم وائتناسه بهم.
قيل : كانوا عشرة ، وقيل ثلاثة عشر ، منهم : الوليد ، وخالد ، وعمارة ، وهشام ، والعاصي ، وعبد شمس.
وقد أسلم منهم ثلاثة ، وهم : خالد ، وهشام ، وعمارة. (١) (وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً) والتمهيد مصدر مهد ، بمعنى سوى الشيء ، وأزال منه ما يجعله مضطربا متنافرا ، ومنه مهد الصبى. أى : المكان المعد لراحته. والمراد بالتمهيد هنا : تيسير الأمور ، ونفاذ الكلمة ، وجمع وسائل الرياسة له.
أى : جعلت له مالا كثيرا ، وأولادا شهودا ، وفضلا عن ذلك ، فقد هيأت له وسائل الراحة والرياسة تهيئة حسنة ، أغنته عن الأخذ والرد مع قومه ، بل صار نافذ الكلمة فيهم بدون عناء أو تعب.
فأنت ترى أن هذه الآيات الكريمة قد ذكرت أن الله ـ تعالى ـ قد أعطى الوليد بن المغيرة ، جماع ما يحتاجه الإنسان في هذه الحياة ، فقد أعطاه المال الوفير ، والبنين الشهود ، والجاه التام الذي وصل إليه بدون جهد أو تعب.
وقوله ـ سبحانه ـ : (ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ) بيان لما جبل عليه هذا الإنسان من طمع وشره .. أى : مع إمدادى له بكل هذه النعم ، هو لا يشبع ، بل يطلب المزيد منها لشدة حرصه وطمعه. و «ثم» هنا للاستبعاد والاستنكار والتأنيب ، فهي للتراخي الرتبى ، والجملة
__________________
(١) راجع حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٤٣٧.