(ثُمَّ أَدْبَرَ وَاسْتَكْبَرَ) أى : ثم إنه بعد هذا التفكير والتقدير ، وبعد هذا العبوس والبسور ، بعد ذلك أدبر عن الحق ، واستكبر عن قبوله.
(فَقالَ) ـ على سبيل الغرور والجحود ـ (إِنْ هذا إِلَّا سِحْرٌ يُؤْثَرُ) أى : ما هذا القرآن الذي يقرؤه محمد صلىاللهعليهوسلم علينا ، إلا سحر مأثور أى : مروى عن الأقدمين ، ومنقول من أقوالهم وكلامهم.
وجملة (إِنْ هذا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ) بدل مما قبلها ، أى : ما هذا القرآن إلا سحر مأثور عن السابقين ، فهو من كلام البشر ، وليس من كلام الله ـ تعالى ـ كما يقول محمد صلىاللهعليهوسلم.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : ما معنى «ثم» الداخلة في تكرير الدعاء؟ قلت : الدلالة على أن الكرة الثانية أبلغ من الأولى ، ونحوه قوله : ألا يا أسلمي ثم أسلمي ، ثمّت أسلمي.
فإن قلت : ما معنى المتوسطة بين الأفعال التي بعدها؟ قلت : الدلالة على أنه قد تأتى في التأمل والتمهل ، وكأن بين الأفعال المتناسقة تراخيا وتباعدا ..
فإن قلت : فلم قيل : (فَقالَ إِنْ هذا ...) بالفاء بعد عطف ما قبله بثم؟ قلت : لأن الكلمة لما خطرت بباله بعد التطلب ، لم يتمالك أن نطق بها من غير تلبث.
فإن قلت : فلم لم يوسط حرف العطف بين الجملتين؟ قلت : لأن الأخرى جرت من الأولى مجرى التوكيد من المؤكد (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ بعد ذلك الوعيد الشديد الذي توعد به هذا الشقي الأثيم فقال : (سَأُصْلِيهِ سَقَرَ) وسقر : اسم لطبقة من طبقات جهنم ، والجملة الكريمة بدل من قوله : (سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً) أى : سأحرقه بالنار المتأججة الشديدة الاشتعال.
وقوله : (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ) تهويل من حال هذه النار وتفظيع لشدة حرها.
أى : وما أدراك ما حال سقر؟ إن حالها وشدتها لا تستطيع العبارة أن تحيط بها.
وجملة (لا تُبْقِي وَلا تَذَرُ) بدل اشتمال من التهويل الذي أفادته جملة (وَما أَدْراكَ ما سَقَرُ).
أى : هذه النار لا تبقى شيئا فيها إلا أهلكته ، ولا تترك من يلقى فيها سليما ، بل تمحقه محقا ، وتبلعه بلعا ، وتعيده ـ بأمر الله تعالى ـ إلى الحياة مرة أخرى ليزداد من العذاب ، كما
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٥٠.