قال الآلوسى : قوله ـ تعالى ـ : (ما ذا أَرادَ اللهُ بِهذا مَثَلاً) أى : أى شيء أراده الله ـ تعالى ـ ، أو ما الذي أراده الله ـ تعالى ـ بهذا العدد المستغرب استغراب المثل.
وعلى الأول تكون (ما ذا) بمنزلة اسم واحد .. وعلى الثاني : هي مؤلفة من كلمة (ما) اسم استفهام مبتدأ ، و (ذا) اسم موصول خبره ، والجملة بعده صلة ، والعائد فيها محذوف ، و (مَثَلاً) نصب على التمييز أو على الحال .. وعنوا بالإشارة : التحقير ، وغرضهم : نفى أن يكون ذلك من عند الله ـ تعالى ـ .. (١).
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ) يعود إلى ما تضمنه الكلام السابق ، من استيقان أهل الكتاب ، وازدياد المؤمنين إيمانا ، واستنكار الكافرين ومن في قلوبهم مرض لهذا المثل.
أى : مثل ذلك الضلال الحاصل للذين في قلوبهم مرض وللكافرين ، يضل الله ـ تعالى ـ من يشاء إضلاله من خلقه ، ومثل ذلك الهدى الحاصل في قلوب المؤمنين ، يهدى الله من يشاء هدايته من عباده ، إذ هو ـ سبحانه ـ الخالق لكل شيء ، وهو على كل شيء قدير.
ثم ساق ـ سبحانه ـ بعد ذلك ما يخرس ألسنة الكافرين ، الذين أنكروا هذا العدد الذي جعله الله ـ تعالى ـ على سقر ، ليتصرف فيها على حسب إرادته ـ تعالى ـ ومشيئته ، فقال : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ). والجنود : جمع جند ، وهو اسم لما يتألف منه الجيش من أفراد.
والمراد بهم هنا : مخلوقاته ـ تعالى ـ الذين سخرهم لتنفيذ أمره ، وسموا جنودا ، تشبيها لهم بالجنود في تنفيذ مراده ـ سبحانه ـ.
أى : وما يعلم عدد جنود ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ ، ولا مبلغ قوتهم ، إلا هو ـ عزوجل ـ وما هذا العدد الذي ذكرناه لك إلا جزء من جنودنا ، الذين حجبنا علم عددهم وكثرتهم .. عن غيرنا.
قال الإمام ابن كثير : قوله ـ تعالى ـ : (وَما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ) أى : وما يعلم عددهم وكثرتهم إلا هو ـ تعالى ـ ، لئلا يتوهم متوهم أنماهم تسعة عشر فقط.
وقد ثبت في حديث الإسراء المروي في الصحيحين وغيرهما ، عن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال في صفة البيت المعمور ، الذي في السماء السابعة : فإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك .. (٢).
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ١٢٧.
(٢) راجع تفسير ابن كثير ج ٨ ص ٢٩٥.