والضمير في قوله : (وَما هِيَ إِلَّا ذِكْرى لِلْبَشَرِ) يعود إلى سقر .. أى : وما سقر التي ذكرت لكم أن عليها تسعة عشر ملكا يلون أمرها ، إلا تذكرة وعظة للبشر ، لأن من يتذكر حرها وسعيرها وشدة عذابها .. من شأنه ، أن يخلص العبادة لله ـ تعالى ـ ، وأن يقدم في دنياه العمل الصالح الذي ينفعه في أخراه.
وقيل : الضمير للآيات الناطقة بأحوال سقر. أى : وما هذه الآيات التي ذكرت بشأن سقر وأهوالها إلا ذكرى للبشر.
ثم أبطل ـ سبحانه ـ ما أنكره الذين في قلوبهم مرض ، وما أنكره الكافرون مما جاء به القرآن الكريم ، فقال : (كَلَّا وَالْقَمَرِ. وَاللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ. وَالصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ. إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ. نَذِيراً لِلْبَشَرِ. لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ).
و (كَلَّا) حرف زجر وردع وإبطال لكلام سابق. والواو في قوله : (وَالْقَمَرِ) للقسم والمقسم به ثلاثة أشياء : القمر والليل والصبح ، وجواب القسم قوله : (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ ...).
أى : كلا ، ليس الأمر كما أنكر هؤلاء الكافرون ، من أن تكون عدة الملائكة الذين على سقر ، تسعة عشر ملكا ، أو من أن تكون سقر مصير هؤلاء الكافرين ، أو من أن في قدرتهم مقاومة هؤلاء الملائكة.
كلا ، ليس الأمر كذلك ، وحق القمر الذي (قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتَّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) ، وحق (اللَّيْلِ إِذْ أَدْبَرَ) أى : وقت أن ولى ذاهبا بسبب إقبال النهار عليه ، وحق (الصُّبْحِ إِذا أَسْفَرَ) ، أى : إذا أضاء وابتدأ في الظهور والسطوع.
والضمير في قوله ـ تعالى ـ : (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) يعود إلى سقر. والكبر : جمع كبرى ، والمراد بها : الأمور العظام ، والخطوب الجسام.
أى : إن سقر التي تهكم بها وبخزنتها الكافرون ، لهى إحدى الأمور العظام ، والدواهي الكبار ، التي قل أن يوجد لها نظير أو مثيل في عظمها وفي شدة عذاب من يصطلى بنارها.
وأقسم ـ سبحانه ـ بهذه الأمور الثلاثة ، لزيادة التأكيد ، ولإبطال ما تفوه به الجاحدون ، بأقوى أسلوب.
وكان القسم بهذه الأمور الثلاثة ، لأنها تمثل ظهور النور بعد الظلام ، والهداية بعد الضلال ، ولأنها تناسب قوله ـ تعالى ـ قبل ذلك : (كَذلِكَ يُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ).