وانتصب لفظ «نذيرا» من قوله : (نَذِيراً لِلْبَشَرِ) على أنه حال من الضمير في قوله (إِنَّها لَإِحْدَى الْكُبَرِ) أى : إن سقر لعظمى العظائم ، ولداهية الدواهي ، حال كونها إنذارا للبشر ، حتى يقلعوا عن كفرهم وفسوقهم ، ويعودوا إلى إخلاص العبادة لخالقهم.
ويصح أن يكون تمييزا لإحدى الكبر ، لما تضمنته من معنى التعظيم ، كأنه قيل : إنها لإحدى الكبر إنذارا للبشر ، وردعا لهم عن التمادي في الكفر والضلال .. فالنذير بمعنى الإنذار.
وقوله ـ سبحانه ـ : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) بدل مفصل من مجمل ، هذا المجمل هو قوله (لِلْبَشَرِ).
أى : إن سقر لهى خير منذر للذين إن شاءوا تقدموا إلى الخير ففازوا ، وإن شاءوا تأخروا عنه فهلكوا. فالمراد بالتقدم نحو الطاعة والهداية. والمراد بالتأخر : التأخر عنهما والانحياز نحو الضلال والكفر إذ التقدم تحرك نحو الأمام ، وهو كناية عن قبول الحق ، وبعكسه التأخر ..
ويجوز أن يكون المعنى : هي خير نذير لمن شاء منكم التقدم نحوها ، أو التأخر عنها.
وتعليق (نَذِيراً) بفعل المشيئة ، للإشعار بأن عدم التذكر مرجعه إلى انطماس القلب ، واستيلاء المطامع والشهوات عليه ، وللإيذان بأن من لم يتذكر ، فتبعة تفريطه واقعة عليه وحده ، وليس على غيره.
قال الآلوسى : قوله : (لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ أَوْ يَتَأَخَّرَ) الجار والمجرور بدل من الجار والمجرور فيما سبق ، أعنى (لِلْبَشَرِ) وضمير «شاء» للموصول. أى : نذيرا للمتمكنين منكم من السبق إلى الخير ، والتخلف عنه. وقال السدى : أن يتقدم إلى النار المتقدم ذكرها ، أو يتأخر عنها إلى الجنة ، وقال الزجاج : أن يتقدم إلى المأمورات أو يتأخر عن المنهيات .. (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من مظاهر عدله في أحكامه : وفي بيان الأسباب التي أدت إلى فوز المؤمنين ، وهلاك الكافرين .. فقال ـ تعالى ـ :
(كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَساءَلُونَ (٤٠) عَنِ الْمُجْرِمِينَ (٤١) ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ (٤٢) قالُوا لَمْ نَكُ مِنَ
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ١٣١.