الْمُصَلِّينَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ (٤٧) فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨) فَما لَهُمْ عَنِ التَّذْكِرَةِ مُعْرِضِينَ (٤٩) كَأَنَّهُمْ حُمُرٌ مُسْتَنْفِرَةٌ (٥٠) فَرَّتْ مِنْ قَسْوَرَةٍ (٥١) بَلْ يُرِيدُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُؤْتى صُحُفاً مُنَشَّرَةً (٥٢) كَلاَّ بَلْ لا يَخافُونَ الْآخِرَةَ (٥٣) كَلاَّ إِنَّهُ تَذْكِرَةٌ (٥٤) فَمَنْ شاءَ ذَكَرَهُ (٥٥) وَما يَذْكُرُونَ إِلاَّ أَنْ يَشاءَ اللهُ هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَأَهْلُ الْمَغْفِرَةِ)(٥٦)
وقوله ـ تعالى ـ : (رَهِينَةٌ) خبر عن (كُلُّ نَفْسٍ) ، وهو بمعنى مرهونة. أى : كل نفس مرهونة عند الله ـ تعالى ـ بكسبها ، مأخوذة بعملها ، فإن كان صالحا أنجاها من العذاب ، وإن كان سيئا أهلكها ، وجعلها محلا للعقاب.
قالوا : وإنما كانت مرهونة ، لأن الله ـ تعالى ـ جعل تكليف عباده كالدّين عليهم ، ونفوسهم تحت استيلائه وقهره ، فهي مرهونة ، فمن وفي دينه الذي كلف به ، خلص نفسه من عذاب الله ـ تعالى ـ الذين نزل منزلة علامة الرهن ، وهو أخذه في الدين ، ومن لم يوف عذب. (١) والاستثناء في قوله (إِلَّا أَصْحابَ الْيَمِينِ) استثناء متصل أى أن كل نفس مرهونة بعملها .. إلا أصحاب اليمين وهم المؤمنين الصادقون فإنهم مستقرون (فِي جَنَّاتٍ) عالية (يَتَساءَلُونَ عَنِ الْمُجْرِمِينَ) أى : يسأل بعضهم بعضا عن أحوال المجرمين.
وهذا التساؤل إنما يكون قبل أن يروهم ، فإذا ما رأوهم سألوهم بقولهم. (ما سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) أى : قال أصحاب اليمين للمجرمين : ما الذي أدخلكم في سقر ، وجعلكم وقودا لنارها وسعيرها؟ والسؤال إنما هو على سبيل التوبيخ والتحسير لهؤلاء المجرمين.
وعبر ـ سبحانه ـ بقوله : (ما سَلَكَكُمْ ...) للإشعار بأن الزج بهم في سقر ، كان بعنف وقهر ، لأن السلك معناه : إدخال شيء بصعوبة وقسر ، ومنه قوله ـ تعالى ـ : (كَذلِكَ
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٤٤٣.