هؤلاء المشركين وطغيانهم ، وانتقال من إنكار الحسبان إلى الإخبار عن حال هذا الإنسان.
والفجور : يطلق على القول البالغ النهاية في السوء ، وعلى الفعل القبيح المنكر ، ويطلق على الكذب ، ولذا وصفت اليمين الكاذبة ، باليمين الفاجرة فيكون فجر بمعنى كذب ، وزنا ومعنى.
ولفظ «الأمام» يطلق على المكان الذي يكون في مواجهة الإنسان ، والمراد به هنا : الزمان المستقبل وهو يوم القيامة ، الذي دل عليه قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ).
أى : أن هذا الإنسان المنكر للبعث والحساب لا يريد أن يكف عن إنكاره وكفره ، بل يريد أن يستمر على فجوره وتكذيبه لهذا اليوم بكل إصرار وجحود ، فهو يسأل عنه سؤال استهزاء وتهكم فيقول : (أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ) أى : متى يجيء يوم القيامة هذا الذي تتحدثون عنه ـ أيها المؤمنون ـ وتخشون ما فيه من حساب وجزاء؟
قال القرطبي : قوله ـ تعالى ـ : (بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ) قال ابن عباس : يعنى الكافر. يكذب بما أمامه من البعث والحساب .. ودليله (يَسْئَلُ أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيامَةِ). أى : يسأل متى يكون؟ على وجه التكذيب والإنكار ، فهو لا يقنع بما هو فيه من التكذيب. ولكن يأثم لما بين يديه. ومما يدل أن الفجور : التكذيب ، ما ذكره القتبى وغيره ، من أن أعرابيا قصد عمر بن الخطاب ، وشكا إليه نقب إبله ودبرها ـ أى : مرضها وجربها ـ وسأله أن يحمله على غيرها فلم يحمله. فقال الأعرابى.
أقسم بالله أبو حفص عمر |
|
ما مسها من نقب ولا دبر |
فاغفر له اللهم إن كان فجر
يعنى إن كان كذبني فيما ذكرت .. (١).
وأعيد لفظ الإنسان في هذه الآيات أكثر من مرة ، لأن المقام يقتضى توبيخه وتقريعه ، وتسجيل الظلم والجحود عليه.
والضمير في «أمامه» يجوز أن يعود إلى يوم القيامة. أى : بل يريد الإنسان ليكذب بيوم القيامة. الثابت الوقوع في الوقت الذي يشاؤه الله ـ عزوجل ـ.
ويجوز أن يعود على الإنسان ، فيكون المعنى : بل يريد الإنسان أن يستمر في فجوره وتكذيبه بيوم القيامة في الحال وفي المآل. أى : أن المراد بأمامه : مستقبل أيامه.
__________________
(١) تفسير القرطبي ج ١٩ ص ٩٤.