وجيء بلفظ «أيان» الدال على الاستفهام للزمان البعيد ، للإشعار بشدة تكذيبهم ، وإصرارهم على عدم وقوعه في أى وقت من الأوقات.
ثم ساق ـ سبحانه ـ جانبا من أهوال يوم القيامة ، على سبيل التهديد والوعيد لهؤلاء المكذبين.
فقال : (فَإِذا بَرِقَ الْبَصَرُ. وَخَسَفَ الْقَمَرُ. وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ. يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ).
و «برق» ـ بكسر الراء وفتحها ـ دهش وفزع وتحير ولمع من شدة شخوصه وخوفه.
يقال : برق بصر فلان ـ كفرح ونصر ـ إذا نظر إلى البرق فدهش وتحير.
والمراد بخسوف القمر : انطماس نوره ، واختفاء ضوئه.
والمراد بجمع الشمس والقمر : اقترانهما ببعضهما بعد افتراقهما واختلال النظام المعهود للكون ، اختلالا تتغير معه معالمه ونظمه. وجواب (فَإِذا) قوله : (يَقُولُ الْإِنْسانُ) أى : فإذا برق بصر الإنسان وتحير من شدة الفزع والخوف ، بعد أن رأى ما كان يكذب به في الدنيا.
والتعريف في البصر : للاستغراق ، إذ أبصار الناس جميعا في هذا اليوم ، تكون في حالة فزع ، إلا أن هذا الفزع يتفاوت بينهم في شدته.
(وَخَسَفَ الْقَمَرُ) أى : ذهب ضوؤه. وانطمس نوره.
(وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ) أى : وقرن بينهما بعد أن كانا متفرقين.
والتصقا بعد أن كانا متباعدين ، وغاب ضوؤهما بعد أن كانا منيرين.
(يَقُولُ الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ) أى : فإذا ما تم كل ذلك ، يقول الإنسان في هذا الوقت الذي يبرق فيه البصر ، ويخسف فيه القمر ، ويجمع فيه بين الشمس والقمر : أين المفر. أى : أين الفرار من قضاء الله ـ تعالى ـ ومن قدره وحسابه. فالمفر مصدر بمعنى الفرار. والاستفهام بمعنى التمني أى : ليت لي مكانا أفر إليه مما أراه.
وقوله ـ سبحانه ـ : (كَلَّا لا وَزَرَ. إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ) إبطال لهذا التمني ، ونفى لأن يكون لهذا الإنسان مهرب من الحساب.
والوزر : المراد به الملجأ والمكان الذي يحتمي به الشخص للتوقي مما يخافه ، وأصله : الجبل المرتفع المنيع ، من الوزر وهو الثقل.