ومنهم من يرى أن هذه الآية الكريمة : كناية عن هول الموت وشدته كما في قوله ـ تعالى ـ : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ) والعرب لا تذكر الساق إلا في المحن والشدائد العظام ، ومنه قولهم : قامت الحرب على ساق.
قال صاحب الكشاف : «والتفت» ساقه بساقه والتوت عليها عند الموت ، وعن قتادة :
ماتت رجلاه فلا تحملانه وقد كان عليهما جوالا. وقيل : التفت شدة فراق الدنيا بشدة إقبال الآخرة ، على أن الساق مثل في الشدة. وعن سعيد ابن المسيب : هما ساقاه حين تلفان في أكفانه (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) أى : إلى ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ مساق الناس ومرجعهم ـ لا إلى غيره ـ يوم القيامة .. لكي يحاسبوا على أعمالهم.
فالمساق مصدر ميمى من ساق الشيء إذا سيره أمامه إلى حيث يريد.
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من الأسباب التي أدت إلى سوء عاقبة المكذبين للحق ، فقال ـ تعالى ـ : (فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى. وَلكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى. ثُمَّ ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى).
والفاء للتفريع على ما تقدم ، من قوله ـ تعالى ـ : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ) .. إلخ.
أو للتفريع والعطف على قوله ـ سبحانه ـ : (إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَساقُ) .. أى : أن هذا الإنسان الذي أنكر الحساب والجزاء ، وفارق الحياة ، كانت عاقبة أمره خسرا ، فلا هو صدق بالحق الذي جاءه الرسول صلىاللهعليهوسلم ولا هو أدى الصلاة التي فرضها الله ـ تعالى ـ عليه ، ولكنه كذب بكل ذلك ، وتولى ، وأعرض عن سبيل الرشاد.
ثم بعد ذلك : (ذَهَبَ إِلى أَهْلِهِ يَتَمَطَّى) أى : ذهب إلى أهله متبخترا متفاخرا ، متباهيا بإصراره على كفره وفجوره.
وقوله : (يَتَمَطَّى) من المط بمعنى المد. وأصله : يتمطط ، قلبت فيه الطاء حرف علة ، ووصف المتبختر في مشيه بذلك ، لأنه يمط خطاه ، ويمدها على سبيل الإعجاب بنفسه ، والتباهي بما هو عليه من كفر وضلال.
ولم يذكر ـ سبحانه ـ المتعلق والمفعول في الآيات الكريمة ، للإشعار بأن هذا الإنسان الجاحد الجاهل .. لم يصدق بشيء من الحق ، ولم يؤد لله ـ تعالى ـ فرضا ولا سنة ، ولكنه
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٦٣.