والمقصود من هاتين الآيتين تثبيت فؤاد النبي صلىاللهعليهوسلم وتيئيس المشركين من استجابته صلىاللهعليهوسلم لأى مطلب من مطالبهم الفاسدة.
ثم أرشده ـ سبحانه ـ إلى ما يعينه على الصبر والثبات. فقال : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ بُكْرَةً وَأَصِيلاً. وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً).
والبكرة : أول النهار. والأصيل : آخره. والمراد : المداومة على ذكر الله ـ تعالى ـ في كل وقت. أى : داوم ـ أيها الرسول الكريم ـ على ذكر الله ـ تعالى ـ في أول النهار وفي آخره ، وعلى صلاة الفجر ، والظهر والعصر.
(وَمِنَ اللَّيْلِ فَاسْجُدْ لَهُ) ـ تعالى ـ وأكثر من ذكره ، وواظب على صلاة المغرب والعشاء.
(وَسَبِّحْهُ لَيْلاً طَوِيلاً) أى : ونزهه ـ تعالى ـ وتهجد له وقتا طويلا من الليل.
فهاتان الآيتان ترشدان الرسول صلىاللهعليهوسلم إلى ما يعينه على الازدياد من فضيلة الصبر الجميل ، والثبات على الحق.
ومن الآيات الكثيرة التي تشبه هاتين الآيتين في معناهما : قوله ـ تعالى ـ (وَأَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَزُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ ، إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ، ذلِكَ ذِكْرى لِلذَّاكِرِينَ. وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ).
وقوله ـ تعالى ـ : (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ ، فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ).
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من الأسباب التي تجعله صلىاللهعليهوسلم لا يطيع أحدا منهم فقال : (إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ ، وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً).
أى : نحن قد نهيناك ـ يا محمد ـ عن طاعة أحد من هؤلاء المشركين ، لأنهم جميعا ديدنهم ودأبهم أنهم يحبون (الْعاجِلَةَ) أى : الدنيا ولذائذها وشهواتها ، العاجلة الزائلة.
(وَيَذَرُونَ وَراءَهُمْ) أى : ويتركون وينبذون وراء ظهورهم (يَوْماً ثَقِيلاً) وهو يوم القيامة ، الشديد الأهوال ، الذي يجعل الولدان شيبا.
ومع شدة هوله فهم لا يستعدون له ، ولا يحسبون له حسابا.
فالآية الكريمة توبيخ وتجهيل لهم ، حيث آثروا الفاني على الباقي ، والعاجل على الآجل.
ووصف يوم القيامة بالثقل ، لشدة ما يقع فيه من أهوال وكروب ، فهو كالشىء الثقيل الذي لا يستطاع حمله.