لا تصل إليه الشمس. وفي (عُيُونٍ) من ماء وعسل ولبن وخمر.
وهم ـ أيضا ـ في (فَواكِهَ) وهي ما يتفكه به ويتنعم. جمع فاكهة (مِمَّا يَشْتَهُونَ) أى : يأكلون من تلك الفواكه ما يشتهونه منها ، بدون تعب في طلبها ، فهي تحت أيديهم.
ويقال لهم ـ على سبيل التكريم والتشريف ـ (كُلُوا) أكلا مريئا (وَاشْرَبُوا) شربا (هَنِيئاً) جزاء (بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) في الدنيا من أعمال صالحة.
(إِنَّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) أى : إنا من شأننا أننا نعطى مثل هذا الجزاء الطيب للمؤمنين الذين أحسنوا أقوالهم وأفعالهم ، وصانوا أنفسهم عن كل ما لا يرضينا ، هذا هو جزاء المتقين المحسنين ، أما الكافرون المكذبون ، فيقال لهم مرة ومرات ـ على سبيل التوبيخ والزجر ـ : (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ).
أى : (كُلُوا) في دنياكم كما تأكل الأنعام (وَتَمَتَّعُوا) بملذاتكم متاعا (قَلِيلاً) سينتهي عما قريب ، وستلقون في آخرتكم أشد أنواع العذاب. بسبب أنكم كنتم في الدنيا دأبكم الإجرام ، والإصرار على الكفر والفسوق والعصيان.
قال صاحب الكشاف : فإن قلت : كيف صح أن يقال لهم ذلك في الآخرة؟ قلت : يقال لهم ذلك في الآخرة إيذانا بأنهم كانوا في الدنيا أحقاء بأن يقال لهم ، وكانوا من أهله ، تذكيرا بحالهم السمجة ، وبما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل ، على النعيم والملك الخالد.
وعلل ذلك بكونهم مجرمين ، دلالة على أن كل مجرم ماله إلا الأكل والتمتع أياما قليلة ، ثم البقاء في الهلاك أبدا. ويجوز أن يكون (كُلُوا وَتَمَتَّعُوا) كلاما مستأنفا خطابا للمكذبين في الدنيا .. (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) أى : هلاك دائم وعذاب مقيم يوم القيامة للمكذبين ، الذين آثروا المتاع القليل الفاني في الدنيا ، على النعيم الدائم في الآخرة.
(وَإِذا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ) أى : وإذا قيل لهؤلاء المجرمين اركعوا في الدنيا مع الراكعين ، وأدوا فريضة الصلاة مع الرسول صلىاللهعليهوسلم ومع المؤمنين.
إذا قيل لهم ذلك ـ على سبيل النصح والإرشاد ـ صموا آذانهم ، وأصروا واستكبروا استكبارا ، وأبوا أن يصلوا مع المصلين.
وعبر عن الصلاة بالركوع ، باعتبار أن الركوع من أهم أركانها ، فهو من باب التعبير بالجزء عن الكل.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٨٢.