والمعنى : عن أى شيء يتساءل هؤلاء المشركون؟ وعن أى أمر يسأل بعضهم بعضا؟ إنهم يتساءلون عن النبأ العظيم ، والخبر الهام الذي جاءهم به الرسول صلىاللهعليهوسلم ، والذي نطق به القرآن الكريم ، من أن البعث حق ، ومن أن هذا القرآن الكريم من عند الله ـ تعالى ـ ومن أن الرسول صلىاللهعليهوسلم صادق فيما يأمرهم به أو ينهاهم عنه.
وافتتح ـ سبحانه ـ الكلام بأسلوب الاستفهام ، لتشويق السامع إلى المستفهم عنه ، ولتهويل أمره ، وتعظيم شأنه.
والضمير في قوله (يَتَساءَلُونَ) يعود إلى المشركين ، الذين كانوا يكثرون من التساؤل فيما بينهم عن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، وعما جاء به من عند ربه ، فقد أخرج ابن جرير وابن أبى حاتم عن الحسن قال : لما بعث النبي صلىاللهعليهوسلم جعلوا يتساءلون فيما بينهم ـ عن أمره وعما جاءهم به ـ فنزل قوله ـ تعالى ـ : (عَمَّ يَتَساءَلُونَ. عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ ...) (١).
وصح عود الضمير إليهم مع أنهم لم يسبق لهم ذكر ، لأنهم معروفون من السياق ، إذ هم ـ دون غيرهم ـ الذين كانوا يتساءلون فيما بينهم ـ على سبيل التهكم ـ عما جاء به النبي صلىاللهعليهوسلم.
وقوله ـ تعالى ـ : (عَنِ النَّبَإِ الْعَظِيمِ) تهويل لشأن هذا الأمر الذي يتساءلون فيما بينهم عنه ، ووصف ـ سبحانه ـ النبأ بالعظم ، زيادة في هذا التهويل والتفخيم من شأنه ، لكي تتوجه إليه أذهانهم ، وتلتفت إليهم أفهامهم.
فكأنه ـ سبحانه ـ يقول : عن أى شيء يسأل هؤلاء الجاحدون بعضهم بعضا؟ أتريدون أن تعرفوا ذلك على سبيل الحقيقة؟ إنهم يتساءلون عن النبأ العظيم ، وعن الخبر الجسيم ، (الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ) ما بين منكر له إنكارا تاما ، كما حكى ـ سبحانه ـ عنهم في قوله : (إِنْ هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا وَما نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ) (٢). وما بين متردد في شأنه ، كما حكى ـ سبحانه ـ عن بعضهم في قوله : (وَإِذا قِيلَ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَالسَّاعَةُ لا رَيْبَ فِيها قُلْتُمْ ما نَدْرِي مَا السَّاعَةُ ، إِنْ نَظُنُّ إِلَّا ظَنًّا وَما نَحْنُ بِمُسْتَيْقِنِينَ) (٣).
قال صاحب الكشاف قوله : (عَمَ) أصله عما ، على أنه حرف جر ، دخل على ما الاستفهامية.
ومعنى هذا الاستفهام : تفخيم الشأن ، كأنه قال : عن أى شيء يتساءلون. ونحوه ما في
__________________
(١) أسباب النزول ص ٢٣٢ للسيوطي.
(٢) سورة المؤمنون آية ٣٧.
(٣) سورة الجاثية آية ٣٢.