فهذه تسعة أدلة أقامها ـ سبحانه ـ على أن البعث حق ، وهي أدلة مشاهدة محسوسة ، لا يستطيع عاقل إنكار واحد منها .. ومادام الأمر كذلك فكيف ينكرون قدرته على البعث ، مع أنه ـ تعالى ـ قد أوجد لهم كل هذه النعم التي منها ما يتعلق بخلقهم ، ومنها ما يتعلق بالأرض والسموات ، ومنها ما يتعلق بنومهم ، وبالليل والنهار ، ومنها ما يتعلق بالشمس ، وبالسحب التي تحمل لهم الماء الذي لا حياة لهم بدونه.
وبعد إيراد هذه الأدلة المقنعة لكل عاقل ، أكد ـ سبحانه ـ ما اختلفوا فيه ، وما تساءلوا عنه ، وبين جانبا من أماراته وعلاماته فقال : (إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ كانَ مِيقاتاً. يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْواجاً. وَفُتِحَتِ السَّماءُ فَكانَتْ أَبْواباً. وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً).
والمراد بيوم الفصل : يوم القيامة ، لأن فيه يكون الفصل بين المحق والمبطل ، والمحسن والمسيء ، فيجازى كل إنسان على حسب عمله.
والميقات ـ بزنة مفعال ـ مشتق من الوقت ، وهو الزمان المحدد لفعل ما. والمراد به هنا : قيام الساعة ، وبعث الناس من قبورهم. أى : إن يوم البعث والجزاء ، كان ميعادا ووقتا محددا لبعث الأولين والآخرين ، وما يترتب على ذلك من جزاء وثواب وعقاب.
وقوله (يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ ...) بدل مما قبله. أى : يوم القيامة آت لا ريب فيه ، يوم نأمر إسرافيل بأن ينفخ في الصور. أى : في القرن الذي أوجدناه لذلك.
(فَتَأْتُونَ أَفْواجاً) أى : فتخرجون من قبوركم جماعات جماعات ، وطوائف ، طوائف ، دون أن يستطيع أحد منكم التخلف عن الحضور إلى المكان الذي أعددناه لذلك.
(وَفُتِحَتِ السَّماءُ ...) في هذا اليوم وشقت .. (فَكانَتْ أَبْواباً) أى : فصارت شقوقها وفتحاتها كالأبواب في سعتها وكثرتها.
(وَسُيِّرَتِ الْجِبالُ ...) أى : وأزيلت الجبال وحركت من أماكنها بعد تفتتها.
(فَكانَتْ سَراباً) أى : فصارت بعد تفتتها واقتلاعها من أماكنها ... كالسراب ، وهو ما يلوح في الصحارى ، فيظنه الرائي ماء وهو ليس بماء.
وبعد هذا البيان البديع لجانب من مظاهر قدرته ـ تعالى ـ على كل شيء ، ومن ألوان نعمه على خلقه ، ومن تقرير أن البعث حق ... بعد كل ذلك ، بين ـ سبحانه ـ جزاء الكافرين ، وجزاء المتقين في هذا اليوم فقال ـ تعالى ـ :