اعتراهم الرعب الشديد ، والفزع الذي لا يقاربه فزع ...
فأما قلوب المؤمنين فهي ـ بفضل الله ورحمته ـ تكون في أمان واطمئنان ، كما قال ـ تعالى ـ : (لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَتَتَلَقَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ).
وإضافة الأبصار إلى ضمير القلوب لأدنى ملابسة ، لأن الأبصار لأصحاب هذه القلوب ، وكلاهما من جوارح الأجساد.
وقوله ـ سبحانه ـ : (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ. أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) حكاية لما كان يقوله هؤلاء الكافرون في الدنيا ، من إنكار للبعث ، ومن استهزاء لمن كان يذكرهم به ، ومن استبعاد شديد لحصوله ...
والمراد بالحافرة : العودة إلى الحياة مرة أخرى بعد موتهم وتحولهم إلى عظام بالية.
قال صاحب الكشاف : (فِي الْحافِرَةِ). أى : في الحالة الأولى يعنون : الحياة بعد الموت.
فإن قلت : ما حقيقة هذه الكلمة؟ قلت : يقال : رجع فلان في حافرته ، أى : في طريقه التي جاء فيها فحفرها. أى : أثر فيها بمشيه فيها : جعل أثر قدميه حفرا ... ثم قيل لمن كان في أمر فخرج منه ثم عاد إليه : رجع إلى حافرته ، أى : طريقته وحالته الأولى ... (١).
وقوله : (نَخِرَةً) صفة مشتقة من قولهم : نخر العظم ـ بفتح النون وكسر الخاء ـ إذا بلى وصار سهل التفتيت والكسر. وقرأ حمزة والكسائي «ناخرة» بمعنى بالية فارغة جوفاء ، يسمع منها عند هبوب الريح نخير ، أى : صوت.
أى : أن هؤلاء المشركين كانوا يقولون في الدنيا ـ على سبيل التعجيب والاستهزاء والإنكار لأمر البعث والحساب : أنرد إلى الحياة مرة أخرى بعد موتنا وبعد أن نصير في قبورنا عظاما بالية.
وعبر ـ سبحانه ـ عن قولهم هذا بالمضارع «يقولون» لاستحضار حالتهم الغريبة ، حيث أنكروا ما قام الدليل على عدم إنكاره ، وللإشعار بأن هذا الإنكار كان متجددا ومستمرا منهم.
وقد ساق ـ سبحانه ـ أقوالهم هذه بأسلوب الاستفهام ، للإيذان بأنهم كانوا يقولون ما يقولون في شأن البعث على سبيل التهكم والتعجب ممن يحدثهم عنه ، كما هو شأن المستفهم
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٦٩٤.