(يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) والغرور : الخداع. يقال : غر فلان فلانا ، إذا خدعه وأطمعه بالباطل. والخطاب لجنس الإنسان. وقيل للكافر.
و «ما» استفهامية ، والمقصود بالاستفهام : الإنكار والتعجيب من حال هذا الإنسان المخدوع.
أى : يا أيها الإنسان المخلوق بقدرة ربك وحده ، أى شيء غرك وخدعك وجعل جانبا من جنسك يكفر بخالقه ، ويعبد غيره ، وجانبا آخر يعصى ربه ، ويقصر في أداء حقوقه؟
قال الإمام ابن كثير : قوله ـ تعالى ـ : (يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ) : هذا تهديد ، لا كما يتوهمه بعض الناس من أنه إرشاد إلى الجواب ، حيث قال : (الْكَرِيمِ) ، حتى يقول قائلهم : غره كرمه. بل المعنى في الآية : ما غرك يا بن آدم بربك الكريم ـ ، أى : العظيم ـ حتى أقدمت على معصيته ، وقابلته بما لا يليق؟ كما جاء في الحديث : «يقول الله يوم القيامة : يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين؟» ...
وهذا الذي تخيله هذا القائل ليس تحته طائل ، لأنه إنما أتى باسمه الكريم لينبه على أنه لا ينبغي أن يقابل الكريم بالأفعال القبيحة ، وأعمال السوء ... (١).
والمقصود بالنداء هنا : التنبيه إلى ما سيأتى بعده من توجيهات ، وليس المقصود به طلب الإقبال على شيء معين.
وإيثار تعريف الله ـ تعالى ـ بصفة الرب ، لما في معنى الرب من التربية والرعاية والملكية ، والإيجاد من العدم ... ففي هذا الوصف تذكير للإنسان بنعم خالقه الذي أنشأه من العدم ، وتعهده بالرعاية والتربية.
وكذلك الوصف بالكريم ، فيه ـ أيضا ـ تذكير لهذا الإنسان بكرم ربه عليه ، إذ مقتضى هذا الكرم منه ـ تعالى ـ ، أن يقابل المخلوق ذلك بالشكر والطاعة.
وقوله ـ سبحانه ـ : (الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ. فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ) صفات أخرى للرب ـ عزوجل ـ الكريم المنان.
والخلق : هو الإيجاد على مقدار معين مقصود. والتسوية : جعل الشيء سويا ، أى : قويما سليما خاليا من الاضطراب والاختلال.
وقوله : (فَعَدَلَكَ) قرأها بعضهم بفتح الدال مع التخفيف ، وقرأها آخرون بفتحها مع التشديد ، وهما متقاربان ، إلا أن التشديد يفيد المبالغة في التعديل ، الذي هو جعل البنية
__________________
(١) تفسير ابن كثير ج ٧ ص ٣٦٤.