وهي أطراف الأعصاب ، ويقوم بحمايتها الجفن ذو الأهداب الذي يقيها ليلا ونهارا ... (١).
ثم يكشف القرآن بعد ذلك عن علة الغرور والغفلة ـ وهي التكذيب بيوم الحساب ـ ويقرر أن كل عمل يعمله الإنسان هو مسجل عليه فيقول : (كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ. وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ. كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ).
و «كلا» حرف ردع وزجر ، وهي هنا للردع والزجر عن الاغترار بكرم الله ـ تعالى ـ وعن جعله ذريعة إلى الكفر والفسوق والعصيان.
وقوله (بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) إبطال لوجود ما يدعو إلى غرورهم لو كانوا يعقلون.
أى : كلا ليس هناك شيء يقتضى غروركم بالله ـ تعالى ـ ويجرؤكم على عصيانه لو كنتم تتفكرون وتتدبرون ... ولكن تكذيبكم بالبعث والحساب والجزاء هو الذي حملكم على الكفر والفسوق والعصيان.
قال الآلوسى ما ملخصه : قوله (كَلَّا) ردع عن الاغترار بكرم الله ـ تعالى ـ وقوله : (بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) إضراب عن جملة مقدرة ، ينساق إليها الكلام ، كأنه قيل بعد الردع بطريق الاعتراض ، وأنتم لا ترتدعون عن ذلك ، بل تجترئون على أعظم منه ، حيث تكذبون بالجزاء والبعث رأسا ، أو بدين الإسلام ، اللذين هما من جملة أحكامه ، فلا تصدقون سؤالا ولا جوابا ، ولا ثوابا ولا عقابا ، وفيه ترق من الأهون إلى الأعظم.
وعن الراغب : «بل» هنا لتصحيح الثاني وإبطال الأول. كأنه قيل : ليس هنا مقتض لغرورهم ، ولكن تكذيبهم بالبعث حملهم على ما ارتكبوه.
وقيل تقدير الكلام : كلا إنكم لا تستقيمون على ما توجبه نعمى إليكم ، وإرشادى لكم ، بل تكذبون بالدين ... (٢).
وقوله : (وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ) عطف على جملة (تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ) لتأكيد ثبوت الجزاء على الأعمال ، وتسجيل هذه الأعمال تسجيلا تاما.
وقوله (لَحافِظِينَ) صفة لموصوف محذوف. أى : وإن عليكم لملائكة يحفظون أعمالكم عليكم ، ويسجلونها دون أن يضيعوا منها شيئا.
وقوله : (كِراماً كاتِبِينَ. يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ) صفات أخرى لهؤلاء الملائكة.
__________________
(١) راجع تفسير في ظلال القرآن ج ٣٠ ص ٤٩٠.
(٢) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٦٥.