الذي يكون مفروشا فرشا أنيقا جميلا.
أى : هم في نعيم دائم لا يقادر قدره ، وهم ـ أيضا ـ يجلسون على السرر المهيأة لجلوسهم تهيئة حسنة ، ينظرون إلى كل ما يدخل البهجة والسرور على نفوسهم.
وحذف مفعول «ينظرون» لقصد التعميم ، أى : ينظرون إلى كل ما يبهج نفوسهم.
(تَعْرِفُ فِي وُجُوهِهِمْ نَضْرَةَ النَّعِيمِ) أى : تعرف في وجوههم ـ أيها الناظر إليهم ـ البهجة والحسن ، وصلاح البال ، وهناءة العيش.
وإضافة النضرة ـ وهي الجمال الواضح ـ إلى النعيم ـ الذي هو بمعنى التنعم والترفه ـ من إضافة المسبب إلى السبب. وهذه الجملة الكريمة صفة ثالثة من صفات هؤلاء الأبرار ، ثم تأتى الصفة الرابعة المتمثلة في قوله ـ تعالى ـ : (يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ).
والرحيق : اسم للخمر الطيبة الصافية الخالية من كل ما يكدر أو يذهب العقل.
والمختوم : أى المسدود الذي لم تمسه يد قبل أيدى هؤلاء الأبرار.
وقوله : (خِتامُهُ مِسْكٌ) صفة ثانية للرحيق. أى : أن هؤلاء الأبرار من صفاتهم ـ أيضا ـ أنهم يسقيهم ربهم ـ بفضله وكرمه ـ من خمر طيبة بيضاء لذيذة ، خالصة من كل كدر .. هذه الخمر مختوم على إنائها بخاتم ، بحيث لم تمسها يد قبل أيديهم. وهذه الخمر ـ أيضا ـ من صفاتها أن شاربها يجد في نهاية شربها ما يشبه المسك في جودة الرائحة.
وقال الشوكانى : وقوله : (خِتامُهُ مِسْكٌ) أى : آخر طعمه ريح المسك إذا رفع الشارب فاه من آخر شرابه ، وجد ريحه كريح المسك. وقيل : مختوم أوانيه بمسك مكان الطين ، وكأنه تمثيل لكمال نفاسته ، وطيب رائحته.
والحاصل أن المختوم والختام إما أن يكون من ختام الشيء وهو آخره أو من ختم الشيء وهو جعل الخاتم عليه ، كما تختم الأشياء بالطين ونحوه.
وقراءة الجمهور (خِتامُهُ) وقرأ الكسائي خاتمه والخاتم والختام يتقاربان في المعنى إلا أنا الخاتم الاسم ، والختام المصدر .. (١).
واسم الإشارة في قوله ـ تعالى ـ : (وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ) يعود للرحيق المختوم ، الدال على صلاح بالهم ، وحسن أحوالهم.
وأصل التنافس : التغالب في الشيء النفيس ، وهو الذي تحرص عليه النفوس ، بحيث
__________________
(١) تفسير فتح القدير للشوكانى ج ٥ ص ٤٠٢.