جميع الأدلة على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم فيما يبلغه عن ربه ، ومع ذلك فهم مصرون على كفرهم وجحودهم وعنادهم.
قال الآلوسى : وقد صح عنه صلىاللهعليهوسلم أنه سجد عند قراءة هذه الآية ، فقد أخرج مسلم وأبو داود والترمذي .. عن أبى هريرة قال : سجدنا مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم في (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) وفي (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ ..) وهي سنة عند الشافعى ، وواجبة عند أبى حنيفة .. (١).
أما الإمام مالك فالرواية الراجحة في مذهبه ، أن هذه الآية ليست من آيات سجود التلاوة.
وقوله ـ سبحانه ـ : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ) إضراب انتقالي ، من التعجيب من عدم إيمانهم مع ظهور كل الأدلة على وجوب الإيمان ، إلى الإخبار عنهم بأنهم مستمرون على كفرهم ، أى : ليس هناك أى مانع يمنع الكافرين من الإيمان ، بعد أن قامت جميع الشواهد على صدق الرسول صلىاللهعليهوسلم ، بل الحق أن هؤلاء الكافرين إنما استمروا على كفرهم بسبب عنادهم وحسدهم للرسول صلىاللهعليهوسلم على ما آتاه الله ـ تعالى ـ من فضله ، وتكذيبهم للحق عنادا وجحودا.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَاللهُ أَعْلَمُ بِما يُوعُونَ) كلام معترض بين سابقه ولا حقه ، والمقصود به التهديد والوعيد.
ومعنى «يوعون» يضمرون ويخفون ويسرون ، وأصل الإيعاء حفظ الأمتعة في الوعاء ، يقال : أوعى فلان الزاد والمتاع ، إذا جعله في الوعاء ، والمراد به هنا : الإضمار والإخفاء ، كما في قول الشاعر : والشر أخبث ما أوعيت من زاد.
أى : والله ـ تعالى ـ أعلم من كل أحد ، بما يضمره هؤلاء الكافرون ، وبما يخفونه في صدورهم من تكذيب للحق ، ومن جحود للقرآن الكريم ، ومن معاداة للمؤمنين.
وقوله : (فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ) تفريع على قوله : (بَلِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُكَذِّبُونَ).
والتبشير : الإخبار بما يسر ، والمراد به هنا التهكم بهم ، بدليل توعدهم بالعذاب الأليم.
أى : فبشر ـ أيها الرسول الكريم ـ هؤلاء الكافرين المكذبين للحق ، بالعذاب الأليم.
والاستثناء في قوله ـ تعالى ـ : (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ فَلَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ٨٣.