الوظيفة التي خلقه من أجلها ، بأن أوجد فيه العقل والميول والإلهامات والغرائز والدوافع التي تعينه على أداء تلك الوظيفة.
وحذف ـ سبحانه ـ المفعول في قوله : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) للعموم ، لأن هذه الأفعال تشمل جميع مخلوقاته ـ عزوجل ـ.
قال الآلوسى : (وَالَّذِي قَدَّرَ ...) أى : جعل الأشياء على مقادير مخصوصة .. (فَهَدى) أى : فوجه كل واحد منها إلى ما يصدر عنه ، وينبغي له .. فلو تتبعت أحوال النباتات والحيوانات ، لرأيت في كل منها ما تحار فيه العقول ، وتضيق عنه دفاتر النقول.
وأما فنون هداياته ـ سبحانه ـ للإنسان على الخصوص ، ففوق ذلك بمراحل .. وهيهات أن يحيط بها فلك العبارة والتحرير ، ولا يعلمها إلا اللطيف الخبير.
أتزعم أنك جرم صغير |
|
وفيك انطوى العالم الأكبر (١) |
وقد فصل بعض العلماء الحديث عن مظاهر تقديره وهدايته ـ سبحانه ـ فقال : قوله ـ تعالى ـ : (الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى. وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدى) أى : الذي خلق كل شيء فسواه ، فأكمل صنعته ، وبلغ به غاية الكمال الذي يناسبه ، والذي قدر لكل مخلوق وظيفته وطريقته وغايته ، فهداه إلى ما خلقه لأجله ، وألهمه غاية وجوده ، وقدر له ما يصلحه مدة بقائه ، وهداه إليه. وهذه الحقيقة الكبرى ماثلة في كل شيء في هذا الوجود ، ويشهد بها كل شيء في رحاب هذا الكون ، من الكبير إلى الصغير ..
فالطيور لها غريزة العودة إلى الموطن .. دون أن تضل عنه مهما بعد. والنحلة تهتدى إلى خليتها ، مهما طمست الريح في هبوبها على الأعشاب والأشجار كل دليل يرى ..
وسمك «السلمون» الصغير ، يمضى سنوات في البحر ، ثم يعود إلى نهره الخاص به .. (٢).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعى. فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى) بيان لمظهر آخر من مظاهر قدرته ـ تعالى ـ ، التي لا يعجزها شيء.
والمرعى : النبات الذي ترعاه الحيوانات ، وهو اسم مكان للأرض الذي يوجد فيها النبات.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ١٠٤.
(٢) راجع في ظلال القرآن ج ٣٠ ص ٥٤٢.