وقوله ـ تعالى ـ : (وَإِلَى السَّماءِ كَيْفَ رُفِعَتْ) أى : وهلا نظروا إلى السماء نظر اعتبار واتعاظ ، فعرفوا أن الذي خلقها هذا الخلق البديع ، بأن رفعها بدون أعمدة .. هو الله ـ عزوجل ـ.
(وَإِلَى الْجِبالِ كَيْفَ نُصِبَتْ) أى : كيف وجدت بهذا الوضع الباهر بأن نصبت على وجه الأرض نصبا ثابتا راسخا. يحمى الأرض من الاضطراب والتزلزل.
(وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ) أى : كيف سويت وفرشت وبسطت بطريقة تجعل الناس يتمكنون من الانتفاع بخيرها ، ومن الاستقرار عليها ، وهذا لا ينافي كونها كروية ، لأن الكرة إذا اشتد عظمها .. كانت القطعة منها كالسطح في إمكان الانتفاع بها.
وبعد هذا التوبيخ لأولئك المشركين الذين عموا وصموا عن الحق ، ولم ينتبهوا لآيات الله ـ تعالى ـ الدالة على قدرته ووحدانيته .. أمر الله ـ تعالى ـ نبيه صلىاللهعليهوسلم أن يداوم على التذكير بدعوة الحق ، فقال : (فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ. لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ).
والفاء في قوله (فَذَكِّرْ) للتفريع ، وترتيب ما بعدها على ما قبلها. والأمر مستعمل في طلب الاستمرار والدوام في دعوته الناس إلى الحق ، ومفعول : «فذكر» محذوف للعلم به.
وجملة «إنما أنت مذكر» تعليل للأمر بالمواظبة على تبليغ الناس ما أمره بتبليغه.
والمصيطر : هو المتسلط ، المتجبر ، الذي يجبر الناس على الانقياد لما يأمرهم به.
وقد قرأ الجمهور هذا اللفظ بالصاد ، وقرأ ابن عامر بالسين.
أى : إذا كان الأمر كما بينا لك ـ أيها الرسول الكريم ـ من أحوال الناس يوم الغاشية ، ومن أننا نحن الذين أوجدنا هذا الكون بقدرتنا .. فداوم ـ أيها الرسول الكريم ـ على دعوة الناس إلى الدين الحق ، فهذه وظيفتك التي لا وظيفة لك سواها ، وكل أمرهم بعد ذلك إلينا ، فأنت لست بمجبر لهم أو مكره إياهم على اتباعك ، وإنما أنت عليك البلاغ ونحن علينا الحساب.
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ. فَيُعَذِّبُهُ اللهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ) كلام معترض بين قوله : (فَذَكِّرْ ...) وبين قوله ـ تعالى ـ بعد ذلك : (إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ) والاستثناء فيه استثناء منقطع ، و «إلا» بمعنى لكن ، و «من» موصولة مبتدأ .. والخبر. «فيعذبه الله العذاب الأكبر» ..
أى : داوم ـ أيها الرسول الكريم ـ على التذكير .. لكن من تولى وأعرض عن تذكيرك وإرشادك ، وأصر على كفره ، فنحن الذين سنتولى تعذيبهم تعذيبا شديدا.