حصول النعمة ، وعن قوله (رَبِّي أَهانَنِ) عند حصول التقتير في الرزق ، لأن الله ـ تعالى ـ قد يوسع على الكافر وهو مهان ومبغوض منه ـ تعالى ـ ، وقد يضيق ـ سبحانه ـ على المؤمن مع محبته له ، وكلا الأمرين حاصل بمقتضى حكمته ـ عزوجل ـ والمؤمن الصادق هو الذي يشكر عند الرخاء ، ويصبر عند البأساء.
و «بل» هنا للإضراب الانتقالى ، من ذمهم على القبيح من القول ، إلى ذمهم بما هو أشنع منه ، وهو ارتكابهم للقبيح من الأفعال.
أى : كلا ليس قولكم هذا وهو أن الإكرام في الإعطاء ، والإهانة في المنع ـ هو القبيح فحسب ، بل هناك ما هو أقبح منه ، وهو أنكم ـ أيها الكافرون ـ.
(لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ) أى : لا تعطفون على اليتيم وهو الذي مات أبوه وهو صغير ، بأن تتركوه معرضا للفقر والاحتياج ، دون أن تعملوا على تقديم يد المساعدة إليه.
(وَلا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ) أى : ولا يحث بعضكم بعضا على إطعام المساكين والبائسين.
ونفى الحض على إطعامهم ، نفى لإطعامهم من باب أولى ، وفي ذلك زيادة لمذلتهم ، لأنهم لا يطعمون ، ولا يحضون غيرهم عليه ، لأنهم قوم خلت قلوبهم من الرحمة والعطف.
قال الآلوسى : قوله ـ سبحانه ـ : (بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ...) إلخ. انتقال وترق من ذم هذا الإنسان على القبيح من القول ، إلى الأقبح من الفعل ، والالتفات إلى الخطاب ، لتشديد التقريع ، وتأكيد التشنيع .. والجمع باعتبار معنى الإنسان ، إذ المراد الجنس. أى : بل لكم أفعال وأحوال أشد شرا مما ذكر ، وأدل على تهالككم على المال ، حيث أكرمكم ـ سبحانه ـ بكثرة المال ، ولكنكم لم تؤدوا ما يلزمكم فيه من إكرام اليتيم.
والمراد بطعام المسكين : إطعامه ، فالطعام مصدر بمعنى الإطعام .. أو المراد به : الشيء المطعوم ، ويكون الكلام على حذف مضاف. أى : على بذل طعام المسكين .. (١).
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَتَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا) بيان لرذيلة ثالثة من رذائلهم المتعددة. والتراث : هو المال الموروث عن الغير. والمراد بالأكل مطلق الانتفاع ، وخص الأكل بالذكر ، لأنه يشمل معظم وجوه التصرفات المالية.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ١٢٧.