ويستره ، فنسب ـ سبحانه ـ إلى النهار ما يلائمه بالنسبة للشمس ، وكذلك الحال بالنسبة لليل.
ثم قال ـ تعالى ـ : (وَالسَّماءِ وَما بَناها) أى : وحق السماء وحق من بناها وأنشأها وأوجدها على تلك الصورة البديعة الرائعة.
فما هنا اسم موصول بمعنى من ، والمراد بمن بناها : الله ـ عزوجل ـ وأوثرت على من التي تأتى للعاقل كثيرا ، لإشعارها معنى الوصفية. أى : وحق السماء ، وحق القادر العظيم الذي بناها وأوجدها على هذه الهيئة الجميلة الدقيقة.
وقد أشار إلى ذلك صاحب الكشاف فقال : والوجه أن تكون «ما» موصولة ـ أى : في هذه الآية وما بعدها ـ وإنما أوثرت على من لإرادة معنى الوصفية ، كأنه قيل : والسماء ، والقادر العظيم الذي بناها (١).
ومنهم من يرى أن «ما» هنا مصدرية ، فيكون المعنى : وحق السماء وبنيانها.
وقوله ـ تعالى ـ : (وَالْأَرْضِ وَما طَحاها) أى : وحق الأرض ومن بسطها من كل جانب ، وجعلها مهيأة للاستقرار عليها : يقال : طحى فلان الشيء ودحاه ، إذا بسطه ووسعه.
وقوله ـ سبحانه ـ : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) أى : وحق النفوس ، وحق من أنشأها من العدم في أحسن تقويم ، وجعلها مستعدة لتلقى ما يكملها ويصلحها.
ويبدو أن المراد بالنفس هنا ذات الإنسان ، من باب إطلاق الحالّ على المحل ، ويكون المراد بتسويتها : استواء خلقة الإنسان ، وتركيب أعضائه في أجمل صورة.
ومن قال بأن المراد بالنفس هنا : القوة المدبرة للإنسان ، يكون المقصود بتسويتها. منحها القوى الكثيرة المتنوعة ، التي توصلها إلى حسن المعرفة ، والتمييز بين الخير والشر ، والنفع والضر ، والهدى والضلال.
قالوا : وقوله : ـ تعالى ـ بعد ذلك : (فَأَلْهَمَها فُجُورَها وَتَقْواها) يشير إلى أن المراد بالنفس في قوله ـ تعالى ـ : (وَنَفْسٍ وَما سَوَّاها) القوة المدبرة للإنسان ، والتي عن طريقها يدرك الأمور إدراكا واضحا. ويختار منها ما يناسب استعداده.
والإلهام : هو التعريف والإفهام للشيء ، أو التمكين من فعله أو تركه ، والفجور : فعل ما يؤدى إلى الخسران والشقاء. والتقوى : هي الإتيان بالأقوال والأفعال التي ترضى الله ـ تعالى ـ وتصون الإنسان من غضبه ـ عزوجل ـ.
__________________
(١) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٥٩.