وذكر بعضهم : أن جبريل ـ عليهالسلام ـ أبطأ في نزوله على النبي صلىاللهعليهوسلم ، فقال المشركون : قد قلاه ربه وودعه. فأنزل الله ـ تعالى ـ هذه الآيات .. (١).
والضحى : هو وقت ارتفاع الشمس بعد إشراقها ، وهو وقت النشاط والحركة ، والإقبال على السعى والعمل .. ولذا خص بالقسم به. وقيل : المراد بالضحى هنا : النهار كله ، بدليل أنه جعل في مقابلة الليل كله.
والأول أولى : لأن الضحى يطلق على وقت انتشار ضياء الشمس حين ترتفع ، وتلقى بأشعتها على الكون ، ويبرز الناس لأعمالهم المتنوعة.
ومعنى «سجا» : سكن. يقال : سجا الليل يسجو سجوا ، إذا سكن وهدأ وأسدل ظلامه على الكون. ويقال : تسجّى فلان بملابسه ، إذا غطى بها جميع جسده ، ومنه قولهم : سجّى الميت تسجية ، إذا غطى بكفنه ..
قال صاحب الكشاف : قوله : (سَجى) أى : سكن وركد ظلامه. وقيل : ليلة ساجية. أى : ساكنة الريح : وقيل معناه : سكون الناس والأصوات فيه. وسجا البحر : سكنت أمواجه. وطرف ساج ، أى : ساكن فاتر .. (٢).
أى : وحق الضحى وهو الوقت الذي ترتفع فيه الشمس ، ويتم إشراقها ، ويأخذ الناس في النشاط والحركة .. وحق الليل إذا سكن وهجع فيه الناس بعد عناء العمل.
وجواب القسم قوله ـ تعالى ـ : (ما وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَما قَلى) أى : ما تركك ربك ـ أيها الرسول الكريم ـ منذ أن اختارك لحمل رسالته ، وما أبغضك ولا كرهك ، بل أنت محل رضانا ومحبتنا ورعايتنا ..
فقوله : (وَدَّعَكَ) من التوديع ، وهو في الأصل الدعاء للمسافر ، ببلوغ الدعة ، وخفض العيش ، ثم استعير للمفارقة بعد الاتصال ، تشبيها بفراق المسافر في انقطاع الصلة ، حيث شبه ـ سبحانه ـ انقطاع صلة الكلام بانقطاع صلة الإقامة.
والمقصود : نفى أن يكون الله ـ تعالى ـ قد قطع وحيه عن نبيه صلىاللهعليهوسلم.
وقوله : (قَلى) من القلا ـ بكسر القاف ـ وهو شدة البغض ، يقال : قلا فلان فلانا يقليه ، إذا كرهه وأبغضه بشدة. ومنه قوله ـ تعالى ـ : (إِنِّي لِعَمَلِكُمْ مِنَ الْقالِينَ).
__________________
(١) راجع تفسير الآلوسى ج ٣٠ ص ١٥٦ ، وتفسير ابن كثير ج ٧ ص ٤٤٥.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٦٥.