وحذف المفعول الثاني في قوله : (يُعْطِيكَ) ، ليعم كل وجوه العطاء التي يحبها صلىاللهعليهوسلم أى : ولسوف يعطيك ربك عطاء يرضيك رضاء تاما.
والتعبير بقوله (فَتَرْضى) المشتمل على فاء التعقيب ، للإشعار بأنه عطاء عاجل النفع ، وأنه سيأتى إليه صلىاللهعليهوسلم في وقت قريب ، وقد أنجز ـ سبحانه ـ وعده.
قال الجمل : وقوله ـ سبحانه ـ : (وَلَلْآخِرَةُ) اللام فيه للابتداء مؤكدة لمضمون الجملة. وإنما قيد بقوله ـ تعالى ـ (لَكَ) لأنها ليست خيرا لكل أحد. وقوله : (وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ ...) هذا وعد شامل لما أعطاه الله ـ تعالى ـ له من كمال النفس ، وظهور الأمر ، وإعلاء الدين .. واللام لام الابتداء ، والمبتدأ محذوف ، أى : ولأنت سوف يعطيك ربك ، وليست لام القسم ، لأنها لا تدخل على المضارع ، إلا مع نون التوكيد .. (١).
ثم عدد ـ سبحانه ـ نعمه على نبيه صلىاللهعليهوسلم فقال : (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى ..).
والاستفهام هنا للتقرير ، واليتيم : هو من فقد أباه وهو صغير.
أى : لقد كنت ـ أيها الرسول الكريم ـ يتيما ، حيث مات أبوك وأنت في بطن أمك ، فآواك الله ـ تعالى ـ بفضله وكرمه ، وتعهدك برعايته وحمايته وعصمته ، وسخر لك جدك عبد المطلب ليقوم بكفالتك ، ومن بعده سخر لك عمك أبا طالب ، حيث تولى رعايتك والدفاع عنك قبل الرسالة وبعدها ، إلى أن مات.
وقوله ـ تعالى ـ (وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدى) بيان لنعمة أخرى أنعم ـ سبحانه ـ بها على نبيه صلىاللهعليهوسلم :
وللمفسرين في معنى هذه الآية كلام طويل ، نختار منه قولين : أولهما : أن المراد بالضلال هنا الحيرة في الوصول إلى الحق ، والغفلة عما أوحاه الله ـ تعالى ـ إليه بعد ذلك من قرآن كريم ، ومن تشريعات حكيمة .. مع اعتقاده صلىاللهعليهوسلم قبل النبوة أن قومه ليسوا على الدين الحق ، بدليل أنه لم يشاركهم في عبادتهم للأصنام ، ولا في السلوك الذي يتنافى من مكارم الأخلاق.
وإلى هذا المعنى أشار صاحب الكشاف بقوله : (ضَالًّا) معناه : الضلال عن علم الشرائع وما طريقه السمع .. (٢).
__________________
(١) حاشية الجمل على الجلالين ج ٤ ص ٥٥١.
(٢) تفسير الكشاف ج ٤ ص ٧٦٨.