وسيروا على الطريقة التي كان يسير عليها أبوكم ، وأعطوا المساكين حقوقهم منها ، ولكنكم خالفتموني ولم تطيعوا أمرى ، فكانت نتيجة مخالفتكم لنصحي ، ما ترون من خراب الجنة ، التي أصابنى من خرابها ما أصابكم.
وكعادة كثير من الناس الذين : لا يقدرون النعمة إلا بعد فوات الأوان .. قالوا لأعقلهم وأصلحهم : (سُبْحانَ رَبِّنا إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ).
أى : قالوا وهم يعترفون بظلمهم وجرمهم .. (سُبْحانَ رَبِّنا) أى : ننزه ربنا ونستغفره عما حدث منا ، فإننا كنا ظالمين لأنفسنا حين منعنا حق الله ـ تعالى ـ عن عباده.
ثم حكى ـ سبحانه ـ ما دار بينهم بعد أن أيقنوا أن حديقتهم قد دمرت فقال : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ). أى : يلوم بعضهم بعضا ، وكل واحد منهم يلقى التبعة على غيره ، ويقول له : أنت الذي كنت السبب فيما أصابنا من حرمان ..
(قالُوا يا وَيْلَنا) أى : يا هلاكنا ويا حسرتنا .. (إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) أى : إنا كنا متجاوزين لحدودنا ، وفاسقين عن أمر ربنا ، عند ما صممنا على البخل بما أعطانا ـ سبحانه ـ من فضله. (عَسى رَبُّنا) بفضله وإحسانه (أَنْ يُبْدِلَنا خَيْراً مِنْها) أى : أن يعطينا ما هو خير منها (إِنَّا إِلى رَبِّنا) لا إلى غيره (راغِبُونَ) أى : راغبون في عطائه ، راجعون إليه بالتوبة والندم ..
قال الآلوسى : قال مجاهد : إنهم تابوا فأبدلهم الله ـ تعالى ـ خيرا منها. وحكى عن الحسن : التوقف. وسئل قتادة عنهم : أهم من أهل الجنة أم من أهل النار؟ فقال للسائل : لقد كلفتني تعبا .. (١).
ثم ختم ـ سبحانه ـ قصتهم بقوله : (كَذلِكَ الْعَذابُ) أى : مثل الذي بلونا به أصحاب الجنة ، من إهلاك جنتهم بسبب جحودهم لنعمنا .. يكون عذابنا لمن خالف أمرنا من كبار مكة وغيرهم.
فقوله : (كَذلِكَ) خبر مقدم ، و (الْعَذابُ) مبتدأ مؤخر. والمشار إليه هو ما تضمنته القصة من إتلاف تلك الجنة ، وإذهاب ثمارها.
وقدم المسند وهو الخبر ، على المسند إليه وهو المبتدأ ، للاهتمام بإحضار تلك الصورة العجيبة في ذهن السامع.
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ٣٢.