وقوله : (وَلَعَذابُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ) يدل على أن المراد بالعذاب السابق عذاب الدنيا.
أى : مثل ذلك العذاب الذي أنزلناه بأصحاب الجنة في الدنيا ، يكون عذابنا لمشركي قريش ، أما عذاب الآخرة فهو أشد وأبقى وأعظم .. ولو كانوا من أهل العلم والفهم ، لعلموا ذلك ، ولأخذوا منه حذرهم عن طريق الإيمان والعمل الصالح. هذا ، والمتأمل في هذه القصة ، يراها زاخرة بالمفاجآت ، وبتصوير النفس الإنسانية في حال غناها وفي حال فقرها ، في حال حصولها على النعمة وفي حال ذهاب هذه النعمة من بين يديها.
كما يراها تحكى لنا سوء عاقبة الجاحدين لنعم الله ، إذ أن هذا الجحود يؤدى إلى زوال النعم ، ورحم الله القائل : من لم يشكر النعم فقد تعرض لزوالها ، ومن شكرها فقد قيدها بعقالها.
ثم تبدأ السورة بعد ذلك في بيان حسن عاقبة المؤمنين ، وفي محاجة المجرمين ، وفي تحديهم بالسؤال تلو السؤال ، إلزاما لهم بالحجة ، وتقريعا لهم على غفلتهم ، وتذكيرا لهم بيوم القيامة الذي سيندمون عنده ، ولن ينفعهم الندم.
قال ـ تعالى ـ :
(إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٣٤) أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ (٣٥) ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ (٣٦) أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ (٣٧) إِنَّ لَكُمْ فِيهِ لَما تَخَيَّرُونَ (٣٨) أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ (٣٩) سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ (٤٠) أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ (٤١) يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ)(٤٣)
وقوله ـ سبحانه ـ : (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ..) بيان لما وعد به ـ سبحانه ـ المؤمنين الصادقين ، بعد بيان وعيده للجاحدين المكذبين.