وقوله : (تَخَيَّرُونَ) أصله : تتخيرون. والتخير : تطلب ما هو خير. يقال : فلان تخير الشيء واختاره ، إذا أخذ خيره وجيده.
أى : بل ألكم ـ أيها المشركون ـ كتاب قرأتم فيه بفهم وتدبر المساواة بين المتقين والمجرمين ، وأخذتم منه ما اخترتموه من أحكام؟ كلا ، إنه لا يوجد كتاب سماوي ، أو غير سماوي ، يوافقكم على التسوية بين المتقين والمجرمين. وأنتم إنما تصدرون أحكاما كاذبة. ما أنزل الله بها من سلطان.
ثم انتقل ـ سبحانه ـ إلى توبيخهم على لون آخر من مزاعمهم فقال : (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا بالِغَةٌ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ، إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ).
أى : وقل لهم ـ يا محمد ـ على سبيل إلزامهم الحجة : بل ألكم (أَيْمانٌ) أى : عهود ومواثيق مؤكدة (عَلَيْنا) وهذه العهود (بالِغَةٌ) أقصى مداها في التوكيد ، وثابتة لكم علينا (إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ) بأننا قد سوينا بين المسلمين والمجرمين في أحكامنا ، كما زعمتم أنتم؟ إن كانت لكم علينا هذه الأيمان والعهود ، فأظهروها للناس ، وفي هذه الحالة يكون من حقكم أن تحكموا بما حكمتم به.
ومما لا شك فيه ، أنهم ليست لهم عهود عند الله بما زعموه من أحكام ، وإنما المقصود من الآية الكريمة ، بيان كذبهم في أقوالهم ، وبيان أنهم لا يستطيعون أن يأتوا بجواب يثبتون به مدعاهم.
وقوله : (إِنَّ لَكُمْ لَما تَحْكُمُونَ) جواب القسم ، لأن قوله : (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ عَلَيْنا) بمعنى : أم أقسمنا لكم أيمانا موثقة بأننا رضينا بأحكامكم التي تسوون فيها بين المسلمين والمجرمين.
ثم أمر ـ سبحانه ـ رسوله صلىاللهعليهوسلم أن يسألهم سؤال تبكيت وتأنيب فقال : (سَلْهُمْ أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ).
والزعيم : هو الضامن ، والمتكلم عن القوم ، والناطق بلسانهم ..
واسم الإشارة يعود على الحكم الباطل الذي حكموه ، وهو التسوية بين المسلمين والمجرمين.
أى : سل ـ أيها الرسول الكريم ـ هؤلاء المشركين ، سؤال تقريع وتوبيخ ، أى واحد منهم سيكون يوم القيامة ، كفيلا بتحمل مسئولية هذا الحكم ، وضامنا بأن المسلمين سيكونون متساوين مع المجرمين في الأحكام عند الله ـ تعالى ـ.