ثم انتقل ـ سبحانه ـ إلى إلزامهم الحجة عن طريق آخر فقال : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ ، فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ إِنْ كانُوا صادِقِينَ).
أى : بل ألهم شركاء يوافقونهم على هذا الحكم الباطل ، إن كان عندهم ذلك ، فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين في زعمهم التسوية بين المتقين والمجرمين.
والمراد بالشركاء هنا : الأصنام التي يشركونها في العبادة مع الله ـ عزوجل ـ.
وحذف متعلق الشركاء لشهرته. أى : أم لهم شركاء لنا في الألوهية يشهدون لهم بصحة أحكامهم.
والأمر في قوله : (فَلْيَأْتُوا ...) للتعجيز.
والمتدبر في هذه الآيات الكريمة ، يرى أن الله ـ تعالى ـ قد وبخهم باستفهامات سبعة : أولها قوله ـ تعالى ـ : (أَفَنَجْعَلُ ....) الثاني : (ما لَكُمْ ...) الثالث : (كَيْفَ تَحْكُمُونَ) الرابع : (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ) الخامس : (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ) السادس : (أَيُّهُمْ بِذلِكَ زَعِيمٌ) السابع : (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ).
قال الآلوسى : وقد نبه ـ سبحانه ـ في هذه الآيات ، على نفى جميع ما يمكن أن يتعلقوا به في تحقيق دعواهم ، حيث نبه ـ سبحانه ـ على نفى الدليل العقلي بقوله (ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ). وعلى نفى الدليل النقلى بقوله (أَمْ لَكُمْ كِتابٌ ..) ، وعلى نفى أن يكون الله وعدهم بذلك بقوله (أَمْ لَكُمْ أَيْمانٌ ..) وعلى نفى التقليد الذي هو أوهن من حبال القمر بقوله (أَمْ لَهُمْ شُرَكاءُ ...) (١).
ثم بين ـ سبحانه ـ جانبا من أهوال يوم القيامة ، ومن حال الكافرين فيه ، فقال : (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ ساقٍ ، وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ. خاشِعَةً أَبْصارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ ، وَقَدْ كانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سالِمُونَ).
والظرف «يوم» يجوز أن يكون متعلقا بقوله ـ تعالى ـ قبل ذلك (فَلْيَأْتُوا بِشُرَكائِهِمْ ...) ويصح أن يكون متعلقا بمحذوف تقديره. اذكر ، والمراد باليوم ، يوم القيامة.
والكشف عن الساق معناه التشمير عنها وإظهارها ، وهو مثل لشدة الحال ، وصعوبة الخطب والهول ، وأصله أن الإنسان إذا اشتد خوفه ، أسرع في المشي ، وشمر عن ثيابه ، فينكشف ساقه.
قال صاحب الكشاف : الكشف عن الساق ، والإبداء عن الخدام. ـ أى : الخلخال الذي
__________________
(١) تفسير الآلوسى ج ٢٩ ص ٣٤.